والعلاقة مع الآخر، والوصول إلى آخريته الحقة، ليست التحاماً عاطفياً وإنما علاقة عادلة تؤدي إلى الإحساس بالالتزام والمسئولية، أي أن لفيناس قد ولَّد من مفهوم الآخر باعتباره اللامتناهي منظومة أخلاقية كاملة. والرغبة الميتافيزيقية الحقة نحو الآخر هي رغبة لا تتشوق للعودة، هذا يعني من منظور لفيناس أن هذه الرغبة الحقة تفترض أن على الإنسان أن يستبعد أن يكون معاصراً لإنجازاته، فعليه أن يعمل دون أن يدخل بالضرورة «أرض الميعاد» ، أي أن لفيناس، بضربة واحدة، يحل مشكلة الأخلاقيات في مجتمع علماني، فبدلاً من الأنانية والدفاع عن المصلحة الشخصية والرؤية الهوبزية الداروينية حيث يصبح الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان، يطرح لفيناس المواجهة مع الآخر وإدراكه بشكل ميتافيزيقي (غير أنطولوجي) باعتباره الحل الحقيقي للمشكلة الأخلاقية. فمن خلال مثل هذه المواجهة يمارس الإنسان إحساساً عميقاً بالمسئولية تجاه الآخر، أي من خلال إدراكه له ككيان متعيِّن متفرد له وجه فريد (ولا ندري كيف يمكن القفز بهذه البساطة من المنظومة المعرفية إلى المنظومة الأخلاقية ومن الإدراك إلى القيم) . ولتوضيح وجهة نظره، يقارن لفيناس بين إبراهيم ويوليسيس، فإبراهيم يغادر وطنه ويتجه نحو أرض مجهولة ولا ينوي العودة، أما يوليسيس فهو يتحرك دائماً نحو نقطة محددة. فإبراهيم مسافر دائم لا يهمه إن كان معاصراً لإنجازاته أم لا، أما يوليسيس فهو عائد دائم يصر على إنجاز السعادة في حياته! (ولكن هل يمكن تَصوُّر إبراهيم ـ المسافر الدائم هذا ــ بدون إله؟ إن لم يكن هناك إله وأمر إلهي فالسفر الدائم حماقة دائمة وحركة بلا معنى في المكان) . ويبدو أن الميتافيزيقا الحقة (حسب تعريف لفيناس) لا تولِّد أخلاقاً وحسب، وإنما هي نفسها الأخلاق. فلفيناس يُعرِّف الأخلاق بأنها سابقة على الأنطولوجيا (شأنها في هذا شأن الميتافيزيقا) وبأنها ليست مجرد قواعد وإنما هي العلاقة مع الأصل، بل هي