وقد صَدَر لبلوم مؤخراً كتاب العقيدة الأمريكية: ظهور الأمة ما بعد المسيحية (١٩٩٢) يذهب فيه إلى أن الأمريكيين يؤمنون بعقيدة واحدة ذات بنية غنوصية تؤله الذات الأمريكية وترى أنها قديمة وليست مخلوقة. والحرية في هذا الإطار هي الخلاص الغنوصي، أي الاتصال الأبدي بالخالق والعودة إلى حالة الامتلاء الأولى (بليروما) . ويرى بلوم أن المسيحية الأمريكية لم تَعُد مسيحية رغم استخدامها المصطلحات المسيحية. وأهم تجليات هذه العقيدة شبه المسيحية هي المورمونية وشهود يهوه. ويرى بلوم أن الطوائف المسيحية كلها وجميع الطوائف الدينية الأخرى تتبع هذا الإطار الغنوصي الأمريكي.
الصهيونية وما بعد الحداثة
Zionism and Post-Modernism
حاولنا في المداخل السابقة أن نكتشف الصلة بين ما بعد الحداثة من جهة، واليهودية واليهود من جهة أخرى، من خلال محاولة الوصول إلى البُعد المعرفي للظاهرة «المعرفي»( «الكلي والنهائي» ) ومن ثم طوَّرنا مقولات مثل الحلول مقابل التجاوز، والصيرورة مقابل الثبات، والتبعثر مقابل الكلية والتكامل.
ويمكن أن نطبق المنهج نفسه على علاقة الصهيونية (باعتبارها وريثة بعض جوانب التراث اليهودي الحاخامي) وما بعد الحداثة.
والصهيونية، في جوهرها، حركة فكرية وسياسية غربية، أي أنها إفراز من إفرازات النموذج الغربي العلماني الشامل، ولذا فثمة علاقة بنيوية وثيقة بينها وبين ما بعد الحداثة، شأنها في هذا شأن معظم الحركات الفكرية السايسية الغربية. بل إنه يمكننا القول بأن كثيراً من مقولات ما بعد الحداثة، كحركة فلسفية متبلورة، كانت قد تبدت في الفكر الصهيوني قبل ظهور ما بعد الحداثة. ويمكن أن نوجز هذه المقولات فيما يلي: