للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحلاًّ لهذه المشكلة، يقترح جرينبرج أمراً جديداً تماماً فبدلاً من الحديث عن الإيمان والإلحاد، علينا أن نتحدث عن لحظات من الإيمان ولحظات من الإلحاد، وعلينا أن نتقبل كلاًّ من لحظات الإيمان ولحظات الإلحاد، وبذا نتخلص من الثنائية التقليدية التي تضع الإيمان مقابل الإلحاد، وفي هذا تَقبُّل للتعددية الحقة حيث لا يوجد مركز دائم وإنما هناك مراكز متعددة متنقلة متغيرة تماماً كعلاقة الدال بالمدلول في الفكر التفكيكي وفكر ما بعد الحداثة (فهي علاقة مؤقتة غير نهائية) . وحياة الشعب اليهودي بأسره جدل مستمر بين لحظات الإيمان ولحظات الإلحاد، وهو ما يسميه جرينبرج «جدلية القدس» أو «جدلية أوشفيتس» . فالقدس ترمز إلى لحظة الإيمان بالإله والشعب وتبعث على الأمل، أما أوشفيتس فترمز إلى الاغتراب عن الإله والناس وتبعث على القنوط. ورغم إصرار جرينبرج على عدم تفضيل الإيمان على الإلحاد، ورغم سعيه إلى نفي فكرة المركز، إلا أنه يرى أن المؤمن هو من يمارس عدداً من لحظات الإيمان والأمل يفوق عدد لحظات الإلحاد واليأس.

ويقدم جرينبرج تاريخاً لليهودية هو تطبيق لنظرية اختفاء المركز هذه، فتاريخ اليهودية يعبِّر عن ظاهرة اختفاء الإله تدريجياً. ولإثبات نظريته هذه، يُقسَّم تاريخ اليهودية إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى، مرحلة العهد القديم: وهي المرحلة التي بدأت بالحديث المباشر بين الإله وموسى ثم حديث الإله للشعب من خلال الكهنة والأنبياء. والشعب في هذه المرحلة كل لا يتجزأ، وتأخذ الشعائر شكل العبادة القربانية في الهيكل التي كان يشرف عليها الكهنة. والخطايا في هذه المرحلة جماعية، كما أن التوبة والندم جماعيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>