وانطلاقاً من هذه الأطروحات الحلولية الأساسية يقدم فاكنهايم فلسفته الدينية. فالإله يعبِّر عن نفسه في التاريخ اليهودي من خلال أحداث مهمة ودالة، مثل: الخروج من مصر ونزول التوراة في سيناء، وسقوط الهيكل. وهذه الأحداث هي، في الواقع، أحداث فريدة تبدأ عصوراً جديدة وتغيِّر مسار التاريخ الذي لا يُفهَم، منذ وقوع هذه الأحداث، إلا من خلالها، وهي تلقي على عاتق اليهود والبشر جميعاً واجبات جديدة. وهذه الحوادث هي التي تميِّز بين الفترات الأصيلة التي تعبِّر عن الجوهر اليهودي والهوية اليهودية وبين الفترات غير الأصيلة التي ينحرف فيها اليهودي عن جوهره. ويرى فاكنهايم أن الإبادة النازية من أهم هذه الأحداث، فهي تحطيم للاستمرار ولأية علاقة بالماضي، وهي النقطة التي انقطعت فيها العلاقة بين الإله والبشر وثبت فيها عجز اليهود الكامل.
إن شكل استجابة اليهود للأحداث يجعل منهم إما يهوداً حقيقيين أو يهوداً زائفين. فاليهودي الأصيل الحقيقي هو الذي يدرك مغزى الحدث، فإذا كانت الأيديولوجيا النازية هي حيز العدم حيث يُفرَض على الضحية أن ينظر في هوة فارغة تماماً من المعنى ومجردة من أي أمل، وإذا كانت الإبادة هي فناء الشعب اليهودي، فإن الاستجابة الحقة هي إدراك هذه الحقيقة، وهي التي تلقي على عاتق المدرك الوعي بما يسميه فاكنهايم «الأمر الإلهي الجديد» ؛ الأمر أو الوصية (متسفاه) رقم ٦١٤، وهي «عام يسرائيل حي» ، أي «شعب إسرائيل حي (باق) » . وبوسع اليهودي الحقيقي أن يتجاهل الأوامر والنواهي السابقة كافة، ولكن لا يمكنه تجاهل هذه الوصية على وجه التحديد، فبعد الإبادة تغيَّر كل شيء.