والشيء نفسه ينطبق على دولة إسرائيل، فهي جماعة يهودية مهمة، ولكنها ليست الجماعة اليهودية الوحيدة (المطلقة) ، ولا هي مركز الوجود اليهودي ولا سمة الوجود اليهودي الوحيدة. وهي ليست مضطهدة مهددة بالإبادة، وإنما هي دولة مسلحة تحرك جيوشها لتضرب جيرانها وبعض سكانها، أي أن وضع الدولة، مثله مثل وضع يهود العالم، قد تغيَّر. ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يذهب لاهوت التحرير إلى أن اليهود واليهودية فقدا براءتهما مع احتلال إسرائيل للضفة الغربية، ومع اندلاع الانتفاضة التي أصبحت نقطة حاسمة في التاريخ اليهودي وفي تاريخ اللاهوت اليهودي. فلم تَعُد الدولة تعبيراً عن رغبة اليهود في التخلص من عجزهم وفي تأكيد إرادتهم، وإنما أصبحت تعبيراً عن إرادة البطش والعنف. بل إن استمرار بقاء الدولة أصبح متوقفاً على موت الأطفال الفلسطينيين، أي إبادتهم! وإذا كان لاهوت موت الإله يُصر على أن الإجابة عن أي سؤال غير ممكنة إلا في حضور الأطفال اليهود المذبوحين، فإن الانتفاضة تواجه الدولة اليهودية واليهود بالسؤال نفسه: إذا كان اليهود يتذكرون عذاب الإبادة وقسوتها، فماذا عن عذاب الفلسطينيين؟ لكل هذا لا يمكن الحديث عن مستقبل اليهود أو عن الهوية اليهودية إلا في ضوء هذا التحول التاريخي. وقد عَرَّفت الإبادة اليهود بأنهم «من ذبحهم هتلر» ، لكن الانتفاضة تطرح أسئلة جديدة: إذا كان اليهود يَعْرفون من كانوا بعد أن حُفرت الإبادة في وجدانهم، فهل يَعْرفون ماذا أصبحوا بعد أن قامت الانتفاضة وكَسَّرت الدولة الصهيونية عظام الأطفال؟ إن من الطبيعي أن يتذكر اليهود أوشفيتس وتربلينكا، ولكن عليهم أيضاً أن يتذكروا صابرا وشاتيلا.