هذا على مستوى قراءة التاريخ، وعلى مستوى تعريف الهوية، أما على المستوى الأخلاقي، فإن الدولة لم تَعُد مطلقاً بعد فك المطلقات الحلولية الوثنية. فإذا كانت الإبادة حدثاً مهماً وليست مطلقاً، فما المطلق إذن؟ يؤكد لاهوت التحرير أن المطلق الوحيد هو القيم الأخلاقية التي وردت في التراث الديني اليهودي (الذي يعرِّفونه تعريفاً إنسانياً عالمياً) . ولذا، فإن بقاء الدولة ليس أمراً كافياً، والتخلص من العجز لا يَجُبُّ التساؤلات الأخلاقية، فمن يحصل على السيادة يمكنه أن يستخدمها في الخير أو البطش. وبالمثل، فإن السيادة ليست ميزة خالصة وإنما لها مخاطرها. ومن ينجز معجزة البقاء يمكن أن يكون خيِّراً أو شريراً، ومن يُكلَّف بالرسالة (الاختيار) يمكنه أن يخونها. ولذا، يقرر لاهوت التحرير أن إسرائيل ليست فوق يهود العالم أو فوق ضمائرهم. ولذا فعليهم الالتزام بالقيم الأخلاقية وحدها، وإذا تحركوا فعليهم أن يتحركوا لا لتأكيد أهمية إسرائيل والدفاع عن بقائها، وإنما لتأكيد القيم الأخلاقية المطلقة. ولن يتم إصلاح الخلل الكوني (تيقون) من خلال الدولة وإنما من خلال الأفعال الأخلاقية الخيرة. ويجب على اليهود أن يقفوا لا ضد ذبح الأطفال اليهود على وجه الخصوص وإنما ضد ذبح أي أطفال، وضمنهم الأطفال الفلسطينيون. ويجب على اليهود أن يلجأوا لكل شيء، وضمن ذلك العصيان المدني، لوضع القيم الأخلاقية المطلقة موضع التنفيذ.