للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يمكن، إذن، فهم الماسونية إلا بوضعها في هذا السياق الفكري. وكما يعرف دارسو تاريخ أوربا، فإنه بعد ظهور فكر عصر النهضة وُلد فكر عصر العقل والاستنارة والإيمان بالقانون الطبيعي. والعلمانية (الشاملة) هي نزع القداسة عن العالم (الإنسان والطبيعة) والإيمان بفعالية القانون الطبيعي في مجالات الحياة الطبيعية والإنسانية كافة وإنكار أي غيب، وإلا لما أمكن التحكم في الكون (الإنسان والطبيعة) وتوظيفه واستخدامه وتحويله إلى مادة استعمالية. وقد انعكس هذا في فكرة الإنسان الطبيعي (العقلاني) أو الأممي، وهو إنسان عام لا يتميَّز عن أي إنسان آخر، صفاته الأساسية عامة أما صفاته الخاصة فلا أهمية لها، وهو إنسان عقلاني إن أعمل عقله بالقدر الكافي لتوصَّل إلى الحقائق نفسها التي يتوصَّل إليها الآخرون بغض النظر عن الزمان والمكان. ومن ثم، فبإمكان هذا الإنسان أن يصل إلى فكرة الخالق بعقله بدون حاجة إلى وحي إلهي أو معجزات، أي دون الحاجة إلى دين مُرسَل، أي أن الإنسان الطبيعي العقلاني العالمي (الأممي) يمكنه أن يتوصل بعقله إلى الإيمان بدين طبيعي عقلاني عالمي.

ويمكن القول بأن الدين الطبيعي، أو «الربوبية» كما كانت تُدعَى، هو تعبير عن معدل منخفض من العلمنة أو تعبير عن علمانية جنينية، فهي تستجيب لحاجة أولئك الذين فقدوا إيمانهم بالدين التقليدي ولكنهم لا يزالون غير قادرين على تَقبُّل عالم اختفى منه الخالق تماماً، أي أنهم بشر جردوا العالم من الدين والقداسة واليقين المعرفي والأخلاقي ولكنهم احتفظوا بفكرة الخالق في صيغة باهتة لا شخصية، حتى لا يصبح العالم فراغاً كاملاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>