والفكر الربوبي لا يطالب من يؤمن به بأن يتنكر لدينه، إذ أن المطلوب هو أن يعيد تأسيس عقيدته، لا على الوحي وإنما على قيم عقلية مجردة منفصلة تماماً عن أي غيب، أي منفصلة عن الأنساق الدينية المألوفة للتفكير. فالربوبية، في واقع الأمر، فلسفة علمانية تستخدم خطاباً دينياً، أو ديباجات دينية، للدفاع عن العقل المادي المحض، وعن الرؤية التجريبية المادية. ومن ثم، فهي وسيلة من وسائل علمنة العقل الإنساني.
في هذا الإطار الفكري والفلسفي والديني، وُلدت الماسونية. وقد تم تأسيس أربعة محافل متفرقة في إنجلترا في القرن السابع عشر، جمعها كلها محفل واحد مركزي تأسس عام ١٧١٧ مع بدايات عصر العقل وحركة الاستنارة. ويُعَد هذا التاريخ هو تاريخ بدء الحركة الماسونية، وقد سُمح لليهود بالالتحاق بها عام ١٧٣٢. ودخلت الحركة الماسونية فرنسا عام ١٧٢٥، وإيطاليا وألمانيا عام ١٧٣٣.
وإن أردنا تلخيص فكر أولى الماسونيات التي نقابلها، ولنسمها «الماسونية العقلانية» أو «الماسونية الربوبية» ، لقلنا إنها تنادي بتوحيد كل البشر من خلال العقل، كما تنادي بإسقاط الدين مع الاحتفاظ بالخالق خشية الفوضى الفلسفية الشاملة.