ويمكن القول بأن الماسونيين كانوا من أعضاء طبقات أو فئات هامشية تود أن تحقق شيئاً من الحراك والمركزية، أو كانوا أعضاء هامشيين أو فئات هامشية في طبقات مركزية ويودون أن يحققوا قدراً من الحراك من خلال الانضمام إلى تَجمُّع أكبر، أو كانوا من أعضاء الأرستقراطية الذين أرادوا أن يستخدموا القوة الماسونية وأن يوظفوها لصالحهم الشخصي أو لصالح الدولة المطلقة. وربما يعود شيوع الماسونية في القرن الثامن عشر إلى سببين أساسيين: أولهما، شيوع الفلسفات العقلانية المعادية للكنيسة والطبقات الإقطاعية. ولكن هذه الفلسفات لم تكن بعد ثورية أو إلحادية، فقد كانت تعبِّر عن مصالح الطبقة الوسطى الصاعدة وعن رؤيتها التجارية المادية العلمانية الشاملة للكون، بدون أن تعلن صراحة عن ماديتها أو علمانيتها إذ كانت أضعف من أن تفعل ذلك. أما السبب الثاني، فهو عدم تجانس رموز الحركة الماسونية، الأمر الذي لعب دوراً حيوياً في زيادة مقدرتها التعبوية على مستوى كل الطبقات. وقد كانت الماسونية ديموقراطية تقوم بتجنيد أعضائها من الطبقات كافة، ولكنها كانت في الوقت نفسه أرستقراطية يترأسها الملك وأعضاء النخبة، وتأخذ شكلاً هرمياً جامداً. وكانت ليبرالية تدعو إلى الأخوة والمساواة، ولكنها كانت في الوقت نفسه محافظة تدعو إلى عدم التعرض للسلطات الحكومية أو الخوض في الأمور السياسية. وكانت الماسونية في تلك المرحلة حركة إيمانية ربوبية، ولكنها كانت تحوي داخلها كل معالم التفكير الإلحادي الذي يُسقط الإله تماماً. وكانت عقلانية ذات رموز صوفية، وتضم أفكاراً عالمية ومحلية. وربما جعلتها هذه الصيغة الإسفنجية تحقق هذا النجاح الباهر وتجعلها واحدة من أهم مؤسسات العلمنة في العالم، فهي تستخدم ديباجات دينية ضبابية لتحقيق أهداف علمانية.