للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الماسونية هي بنت محيطها الحضاري التاريخي والجغرافي (فلا يوجد كما أسلفنا نسق عالمي واحد ينطبق على الماسونيين في كل زمان ومكان) ، فقد كانت ألمانية في ألمانيا، وإنجليزية في إنجلترا، وفرنسية في فرنسا. ولذا، فقد تغيَّرت هي نفسها مع تغيُّر أوربا. كما نجد أن تصاعد قوى الطبقة الوسطى ومعدلات العلمانية والإلحاد قد انعكس على الفكر الماسوني وتنظيماته، فاكتسب كثير من المحافل الماسونية مضموناً ثورياً، وخصوصاً في البلاد الكاثوليكية والأرثوذكسية، وأصبحت الأداة الكبرى في الحرب ضد الكنيسة، وفي المطالبة بفصل الدين عن الدولة. هذا على عكس المحافل الماسونية في البلاد البروتستانتية حيث ظلت معتدلة تدور داخل إطار ربوبي.

وفي هذا الإطار الجديد، ظهرت الماسونية الثانية التي تتخذ موقفاً إلحادياً أكثر صراحة، وبدلاً من العقلانية الربوبية شبه المادية التي تستخدم ديباجات أخلاقية وروحية، تُسقط الماسونية تدريجياً كل هذه الديباجات وتدور تماماً في إطار العقلانية المادية الكاملة، فقرَّر محفل الشرق الأعظم في فرنسا عام ١٨٧٧ استبعاد أية بقايا إيمانية من الفكر الماسوني. وظهرت محافل ذات طابع ثوري مثل النورانيين (إليوميناتي) في بافاريا، وقبلها المارتينيست في فرنسا، وكانت المحافل الماسونية في روسيا القيصرية (الأرثوذكسية) خلايا ثورية، وكان معظم أعضاء ثورة الديسمبريين من الماسونيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>