وغني عن القول أن هذه الصيغة الصهيونية السوقية التي تكشف المضمون الحقيقي للصهيونية وتبيِّن نزعتها العنصرية الإبادية الشرسة، قد اختفت تماماً من الخطاب الصهيوني، وحل محلها صيغ أكثر صقلاً وتركيباً، مثل «الحقوق المطلقة للشعب اليهودي» التي تعني في واقع الأمر أن حقوق الآخرين (العرب) نسبية عرضية ومن ثم يمكن تهميشها، وفي نهاية الأمر إلغاءها. كما أن الخطاب الصهيوني بعد عام ١٩٦٧ وبعد ضم الأراضي الفلسطينية التي تحوي كثافة بشرية عالية اضطر أن يعترف بوجود شعب على الأرض، فلجأ لعملية تحايل كي يفرض الشعار القديم على الواقع. فمفهوم الحكم الذاتي الإسرائيلي يعني حقوق الفلسطينيين دون أن يكون لهم أي حقوق على الأرض (أي أن الفلسطينيين أصبحوا شعباً بلا أرض) . كما أن الطرق الالتفافية هي تعبير عن اعتراف ضمني بوجود الشعب الفلسطيني الذي لا يملك المستعمرون إلا "الالتفاف" حوله.
القومية اليهودية
Jewish Nationalism
«القومية اليهودية» عبارة مرادفة لمصطلح «الصهيونية» وهي تفترض أن اليهود يشكلون جماعة قومية أو شعباً يهودياً. فالنسق الديني اليهودي، من حيث هو تركيب جيولوجي، يحوي داخله تياراً قومياً قوياً جداً يرتبط ارتباطاً تاماً بالبنية الحلولية، إذ يرى اليهود أنفسهم كياناً دينياً متماسكاً يُسمَّى «بنو يسرائيل» يتمتع بعلاقة خاصة مع الإله الذي يحل فيهم ويمنحهم درجة عالية من القداسة ويتولى قيادتهم وتوجيه تاريخهم القومي المقدَّس الفريد الذي بدأ بخروجهم من مصر. وقد أرسل الإله التوراة إليهم باعتبارهم شعبه المختار. ولذا، فإن اليهودية، من هذا المنظور، قومية دينية، وهي بذلك لا تختلف كثيراً عن الأديان الوثنية الحلولية حيث يقتصر الدين والإله على شعب واحد دون غيره من الشعوب. وتتلخص مهمة هذا الشعب اليهودي المقدَّس في أنه يقف شاهداً على التاريخ وعلى وجود الإله أمام الشعوب الأخرى.