وقد انطلق المشروع الصهيوني من هذا الافتراض، وأُسِّست الدولة الصهيونية تحقيقاً لفكرة القومية اليهودية. ولكن من الواضح أن القومية اليهودية هي رؤية غير واقعية وبرنامج إصلاحي ليس له ما يسنده في الواقع التاريخي، فقد كان اليهود في القرن التاسع عشر، عند ظهور الصهيونية، خليطاً هائلاً غير متجانس: بينهم يهود اليديشية من الإشكناز، ويهود العالم العربي، ويهود العالم الإسلامي من السفارد، واليهود المستعربة. كما كان هناك القرّاءون والحاخاميون الذين انقسموا بدورهم إلى أرثوذكس ومحافظين وإصلاحيين، هذا غير عشرات الانقسامات الدينية والإثنية والعرْقية الأخرى. وقد أطلق الصهاينة على كل هؤلاء اسم «الشعب الواحد» أو «أين فولك» حسب تعبير هرتزل. لقد طرحوا شعارهم، ونجحوا في تهجير نسبة مئوية محدودة وحسب إلى إسرائيل. بل إن الهجرة في كثير من الأحيان، لم تكن تتم لأسباب قومية وإنما لأسباب نفعية محضة. ويواجه الصهاينة أزمة في المصادر البشرية نتيجة لأن سلوك أعضاء الجماعات اليهودية في العالم لا يَصدُر عن إيمانهم بمقولة «القومية اليهودية» . ومن هنا، فإن الهجرة اليهودية ما زالت متجهة إلي الولايات المتحدة من ناحية الأساس. وهكذا، فإننا نجد أن أغلبية أتباع القومية اليهودية لا يزالون في المنفى يرفضون العودة إلى وطنهم القومي. ويتضح زيف مقولة «القومية اليهودية» في فشل الدولة اليهودية في تعريف اليهودي، أي في تعريف ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» . وحينما يهاجر أعضاء الجماعات اليهودية المختلفة إلى أمريكا اللاتينية، فإنهم يكتشفون عدم تجانسهم، إذ أن اليهودي الألماني يكتشف أن الصفات الإثنية المشتركة بينه وبين المهاجر الألماني غير اليهودي أكثر من السمات المشتركة بينه وبين أعضاء الجماعات اليهودية الآخرىن. وقد ظهرت هذه القضية في أمريكا اللاتينية أكثر من أية منطقة أخرى في العالم. وفي الولايات المتحدة، وفي دول الهجرة الأخرى مثل كندا