يجتمع في الإطار السياسي النظري للصهيونية نظم أساسية ومختلفة من القيم: اليهودية التي تمت صهينتها، والعنصرية، والقومية السياسية، والقومية العضوية، والاشتراكية، والليبرالية، الأمر الذي يجعل مبدأ "القوة" كأساس للمشروعية السياسية - ولا نقول للشرعية (المبدئية) - المبدأ الأساسي الذي يحكم مدركات التعامل السياسي الإسرائيلي. ولذا يتحكَّم هذا المبدأ في الحياة والمستقبل الإسرائيليين تحكُّماً يتجاوز في مداه وعمقه تأثير طاقات أيٍّ من تلك النظم المختلفة من القيم. ولإيضاح هذا، يتوجب تحديد ما نعنيه هنا بتلك النظم من القيم، وبمبدأ القوة كأساس للتعامل السياسي، وذلك في إطار تناولنا الصهيونية باعتبارها تلك العقيدة السياسية التي تدعو يهود العالم للتجمُّع في فلسطين لتكوين وبناء الدولة الإسرائيلية.
ويمكن القول بأن المنهجية "التلفيقية" هي السمة البارزة في خطاب الصهيونية، لا ينهض الجانب الدعوي من هذا الخطاب بدونها، سواء في التعامل مع القوى غير اليهودية، أو في التعامل مع الجماعات اليهودية نفسها، أو في بناء فكرها نفسه. ولبيان ذلك علينا ملاحظة أن أياً من نظم القيم السياسية إنما يتكون، كغيره من نظم القيم الأخرى، من قيمة جماعية عليا (كالديموقراطية: احتراماً للكرامة الإنسانية، في نسق قيم الحضارة الغربية الحديثة) ، يرتبط بها ويعبِّر عنها نسق من القيم السياسية الفردية.