ويبيِّن جورج جبور، الدارس العربي لظاهرة الاستيطان، أن هذه الشركات كانت إحدى الوسائل التي ابتدعها الاستعمار الغربي في أواخر القرن الماضي. فقد كانت هذه الشركات تقوم بتجنيد الفائض البشري في أوربا وتؤمِّن لهم سفرهم أو تمنحهم بعض المزايا في البلدان المُكتشَفة حديثاً مقابل أن يخدموا الشركة وينفذوا سياستها ويوسعوا نفوذها. وكانت الدول الراعية، مانحة البراءة، تقوم بحماية الشركة من المنافسات الدولية وتنظم العلاقة بين المستوطنين والسكان المحليين. وقد كانت البراءة تمنح الشركة حق أن تكون «شبه دولة» فهي لم تكن مشروعاً مدنياً يهتم بالشئون التجارية وحسب، وإنما كانت إحدى أدوات الاستعمار في مراحله التمهيدية. وقد كان مجال نشاطات الشركة واسعاً متنوعاً، فمثلاً كانت تقوم بشراء وإنشاء المصانع وبناء القلاع والاستيلاء على الأراضي وسك النقود وإدارة القلاع والدخول في أحلاف سياسية وإعلان الحرب والسلم. ورغم هذه الاستقلالية، فإن المشروع ككل كان يقع ضمن الإطار العام لمخططات تلك الإمبراطورية التي قامت بمنح البراءة. والفائدة التي تجنيها الإمبراطورية مانحة الصك من جراء مثل هذا الوضع مضمونة تماماً، ففي حالة نجاح الشركة تحقِّق الإمبراطورية أرباحاً كبيرة. أما إذا فشلت، فإن هيبة الإمبراطورية لا تتأثر (وهذا مناسب جداً لعلاقة الحضارة الغربية بالشعب العضوي المنبوذ والدولة الوظيفية) . وتبين موسوعة الصهيونية وإسرائيل أن هرتزل حينما كان يستخدم كلمة «تشارتر» فإنه كان يفكر أساساً في الميثاق أو البراءة التي منحتها الحكومة البريطانية في ٢٠ أكتوبر ١٨٨٩ إلى شركة سيسل رودس المسماة شركة جنوب أفريقيا البريطانية وأعطت بموجبها الحكومة البريطانية الشركة المذكورة حكماً ذاتياً كاملاً في منطقة الزامبيزي (التي يقع معظمها ضمن حدود روديسيا، أي زمبابوي الآن) وذلك فيما يختص بإدارة المنطقة والنشاط السياسي تجاه السكان المحليين تحت إشراف