ويمكن تعريف الصهيونية بشكل مبدئي بأنها حركة داخل التشكيل السياسي والحضاري الغربي تنظر إلى اليهود من الخارج باعتبارهم فائضاً بشرياً، فهم بقايا الجماعات الوظيفية اليهودية التي فَقَدت وظيفتها ونفعها وتحوَّلت إلى شعب عضوي منبوذ وفائض بشري لا نفع له (ويتم تهويد هذا حيث ينظر اليهود إلى أنفسهم من الداخل باعتبارهم الشعب المختار أو الشعب العضوي أو الشعب الذي فقد وطنه ولذا فهو لا يمكنه تحقيق رسالته) . هذا الفائض (الشعب) يجب أن يُهجَّر (يعود) من أوطانهم (أرض المنفى) إلى خارج أوربا في أية بقعة في العالم. ثم تحدَّدت البقعة بفلسطين (صهيون أو إرتس يسرائيل أو أرض إسرائيل في المصطلح الصهيوني) . وسيتم نقلهم حتى يتم توظيفهم وتحويلهم إلى عنصر استيطاني قتالي يقوم على خدمة المصالح الغربية (واحة الديموقراطية الغربية ـ نور الأمم ـ مركز الثقافة اليهودية ـ وطن قومي يهودي ـ مكان تحقق فيه رسالة اليهود المقدَّسة) نظير أن يضمن الغرب بقاءه واستمراره داخل إطار الدولة الوظيفية.
وحركة النقل السكاني هذه تتضمن حركة أخرى لا تذكرها الأدبيات الصهيونية إلا نادراً. فالعنصر السكاني الجديد لن يقوم باستبعاد السكان الأصليين أو استغلالهم عن طريق سرقة أرضهم وتحويلهم إلى عمالة رخيصة وإنما سيحل محلهم. فالمستوطن الصهيوني يريد الأرض خالية من السكان، وبالتالي لابد من التخلص منهم إما عن طريق الإبادة (على الطريقة الأمريكية) ، وهذا أمر أصبح مستحيلاً، أو عن طريق التهجير، ومن ثم فإن المشروع الصهيوني ليس مشروعاً استعمارياً غربياً وحسب، وليس مشروعاً استعمارياً استيطانياً وحسب، وإنما هو مشروع استعماري غربي، استيطاني إحلالي، له ديباجات يهودية فاقعة.