للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عادت النزعة الحلولية الكمونية الواحدية وأكدت نفسها وبحدة في عصر النهضة في الغرب، فالمشروع التحديثي الغربي العلماني الشامل هو مشروع يدور في إطار المرجعية الواحدية المادية الكامنة في إطار الإنسان الطبيعي الذي يعيش في الطبيعة وعلى الطبيعة، إنسان ذو بُعد واحد. ولكن المشروع التحديثي كان يدور في مراحله الأولى في إطار كل مادي متجاوز، ولذلك فقد أنتج فلسفات عقلانية مادية تؤله الكون ـ تارة تُغلِّب الذات على الموضوع وتعلن أسبقية الإنسان على الطبيعة (تأليه الإنسان) ، وتارة أخرى تُغلِّب الموضوع على الذات وتُعلي شأن الطبيعة على حساب الإنسان (تأليه الطبيعة) ـ إلا أنها في تأرجحها هذا ظلت فلسفة عقلانية، تدور حول مركز وتتسم بالصلابة تشبه ما يسميه فيبر «الديانة العالمية» ، وهي ديانة يرى أنها تستند إلى رؤية كوزومولوجية عالمية شاملة، تتفرع عنها نظم معرفية وأخلاقية شاملة، وتجيب على كل أو معظم الأسئلة الكلية والنهائية التي تواجه الإنسان بطريقة معقولة تتسم بالاتساق، ولذا فهي تُدخل على قلوب المؤمنين بها الطمأنينة والأمن وقدراً عالياً من التفاؤل. وتفي بالاحتياجات النفسية للإنسان في فهم العالم وفي التوازن مع ذاته ومع عالمه، وتحل له مشكلة المعنى. ويمكن القول بأن المنظومة التحديثية المادية في مرحلة التحديث والصلابة حاولت أن تجيب على الأسئلة الكلية والنهائية والتقليدية وأن تزود الإنسان بمنظومات معرفية وقيمية، ونجحت في هذا بأن أخذت المنظومات المعرفية والأخلاقية المسيحية والإجابات المسيحية على الأسئلة النهائية وقامت بعلمنتها بأشكال مختلفة، فحلّ محل الإله مطلقات علمانية مختلفة مثل «العقل الكلي» أو «روح التطور» أو «المجتمع» أو «الطبقة العاملة» . وحلّ محل «تَجسُّد الإله في العالم» مسميات أخرى مثل «تَحقُّق العقل الكلي في التاريخ» أو «حتمية التقدم» أو «مسار التاريخ» . وحلّ محل «الآخرة والبعث ويوم الحساب»

<<  <  ج: ص:  >  >>