ولكن في إطار المرجعية الكامنة يُختَزل الإنسان ويُردُّ في كليته إلى الطبيعة/المادة، ويصبح إنساناً طبيعياً (مادياً) غير قادر على تجاوز ذاته الطبيعية المادية ولا يتجاوز الطبيعة/المادة بحيث يسري عليه ما يسري على الظواهر الطبيعية من قوانين وحتميات، وهذا ما يعني أن الإنسان يفقد إنسانيته المركبة وتُنزَع عنه القداسة تماماً. والإنسان الطبيعي إنسان لا حدود ولا قيود عليه، يقف وراء الخير والشر، متمركز حول منفعته ولذته، لا راد لقضائه أو لرغبته في البقاء. وهو لا يلتزم بأية قيم معرفية أو أخلاقية أو أبعاد نهائية، فهو يتبع القانون الطبيعي ولا يلتزم بسواه بل لا يمكنه تجاوزه. لكل هذا أصبح الإنسان كائناً غير قادر إلا على التمركز حول مصلحته ومنفعته ولذته المادية وبقائه المادي، فمفهوم «الإنسانية جمعاء» مفهوم أخلاقي مطلق ميتافيزيقي متجاوز لقوانين المادة، وليس هناك ما يُلزم الإنسان الطبيعي (مرجعية ذاته المتمركز حولها) بأن يؤمن بمثل هذه المطلقات وهذه المُثُل العليا غير المادية، فماذا في قوانين الطبيعة وقوانين الحركة وقوانين الضرورة يُلزمه بأن يتجاوز مصلحته الخاصة الضيقة وألا يُحوِّل الآخر إلى مادة تُوظَّف لصالحه؟
لكل هذا فإنه بدلاً من مركزية الإنسان في الكون تظهر مركزية الإنسان الأبيض في الكون، وبدلاً من الدفاع عن مصالح الجنس البشري بأسره يتم الدفاع عن مصالح الجنس الأبيض، وبدلاً من ثنائية الإنسان والطبيعة وأسبقية الأول على الثاني تظهر ثنائية الإنسان الأبيض من جهة، مقابل الطبيعة/المادة وبقية البشر الآخرين من جهة. ويصبح هم هذا الإنسان الأبيض هو غزو الطبيعة المادية والبشرية وحوسلتها وتوظيفها لحسابه واستغلالها بكل ما أوتي من إرادة وقوة، وهكذا تحوَّلت الإنسانية الهيومانية الغربية إلى إمبريالية.