للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا، فقد حوَّلت هذه الرؤية الإنسان الغربي إلى مُستغل يلتهم الكون، وحولت الطبيعة وبقية الشعوب إلى مجرد مادة استعمالية تُوظَّف وتُسخَّر. وقد قام الإنسان الغربي بالفعل بذلك وحقق لنفسه مستويات معيشية مادية ورخاء مادياً لم ير مثله البشر من قبل (وربما لا يرون من بعد) . وعادةً ما يقف التحليل الاقتصادي عند هذه النقطة وينظر للعالم من منظور معدلات الاستغلال الاقتصادي ويُقسَّم البشر إلى مستغلين ومستغَلين بالمعنى الاقتصادي وحسب. ولكن التحليل المعرفي يستمر متجاوزاً هذا المستوى. وكما أسلفنا، تم تعريف هذا الإنسان الغربي نفسه في إطار مادي واحدي، والرؤية المادية لا تفرق بين أحد ولا تعطي لأحد مكانة أو منزلة خاصة، فالإنسان الغربي هو أيضاً مادة استعمالية، وهو أيضاً لابد أن يدخل الدائرة والآلة الشيطانية الواحدية المادية التي تحوِّله إلى مادة إنتاجية استهلاكية، ولذا تم استغلاله بطريقة شرسة قد لا تكون اقتصادية ولكنها شاملة، وإذا كانت معدلات استهلاك الإنسان الغربي أعلى من المعدلات التي يتمتع بها الإنسان الشرقي فإن هذا لا يشكل فارقاً جوهرياً، فالجميع خاضع لعملية الترشيد والحوسلة والتنميط التي تمحو ما هو إنساني، فقد تم ترشيده هو الآخر من الداخل والخارج في بنيته الاجتماعية والإنسانية حتى تم التحكم فيه تماماً وأصبح مُحاصَراً تماماً بأجهزة إعلام تدمر البنية الاجتماعية، وبصناعات تدمر البيئة الطبيعية، وبصناعات عسكرية تُنفَق عليها الملايين من الدولارات وتهدِّد بتدمير العالم، وبمشروعات فضاء لا يعرف أحد جدواها، وبإيقاع حياة آلي سريع رتيب يقضي على كل ما هو نبيل في حياة الإنسان، وبمؤسسات عامة تضبط حياته وحياة أسرته (أو ما تبقَّى من الأسرة) وبصناعات اللذة التي تصوغ أحلامه وتُصعِّد توقعاته وتقتحم حياته الخاصة تماماً. فهو مُستوعَب تماماً في آليات الحياة الحديثة إذ يزداد ترشيده وإعادة صياغته وغزوه وتسخيره يوماً

<<  <  ج: ص:  >  >>