للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد يوم بهدف زيادة هيمنة الواحدية المادية عليه، تلك الهيمنة التي تعني زيادة التحكم في ساعات عمله ولهوه، وفي احتياجاته وأحلامه، وفي علاقته بنفسه وأسرته، وفي البيئة الطبيعية التي يعيش في كنفها حتى يصبح إنساناً رشيداً، منتجاً ومستهلكاً، جزءاً لا يتجزأ من عالم الأشياء والسلع والطبيعة/المادة (التمركز حول الموضوع) . ولو استخدمنا هذا المعيار لوجدنا أن الإنسان في العالم الغربي قد طُحن هو الآخر تماماً وتم تسليعه، إذ أن النظام الذي يكفل له الحياة المادية الهانئة من ناحية اقتصادية هو أيضاً النظام الآلي الذي يتحكم فيه وفي حياته والذي أخرج الأشياء من عالم الإنسان إلى عالم الأشياء، ثم أخرج الإنسان نفسه من عالم الإنسان ووضعه في عالم الأشياء. بل على مستوى من المستويات، يمكن القول بأن الإنسان الغربي الذي تم ضبط حياته وترشيدها تماماً (من خلال آليات الدولة الحديثة المتقدمة) هو في حالة أسوأ من الإنسان الشرقي الذي لا يزال يتمتع بقسط من الحرية والخصوصية بسبب طبيعة المجتمعات التقليدية أو الانتقالية الفضفاضة. ولعل الإنسان النازي الذي تَحوَّل تماماً إلى آلة مَثل جيد على ذلك، ولعل الإنسان الأمريكي الذي لا يملك من أمره شيئاً، والذي تُرتَّب له حياته من الداخل والخارج، هو أيضاً مَثل آخر على ما نقول.

وقد ظهرت هذه الرؤية الإمبريالية قبل أن تصبح الإمبريالية حقيقة تاريخية. ونشأت لدى الإنسان الغربي الرغبة في ضبط حياته وترشيد مجتمعه وذاته والتهام العالم قبل ميلاد رجل أوربا النهم. كانت جيوش أوربا الغازية تسير في عقل الإنسان الغربي وأحلامه قبل أن تطأ أقدام جنودها الثقيلة غابات أفريقيا الخضراء وجبال آسيا الشامخة وقبل أن يُباد الملايين من الأطفال والنساء والرجال من الشعوب الأصلية التي كانت تشغل الحيز الحيوي الذي كان يود أن يستولي عليه هذا الرجل النهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>