٤ ـ سادت التفسيرات الحرفية والمشيحانية للعهد القديم، سواءٌ في الأوساط المسيحية البروتستانتية أو في الأوساط اليهودية، مع تصاعد الثورة العلمية وزيادة معدلات الترشيد والعلمنة في المجتمع (وهي مرتبطة بتصاعُد الحلولية التي تسد الثغرة بين الدال والمدلول وبين الظاهر والباطن بحيث لا يُقبَل سوى التفسير الحرفي المباشر وتُرفَض التفسيرات الرمزية أو المجازية) . ويظهر هذا أكثر ما يظهر في موقف الوجدان الغربي (المسيحي واليهودي) من إرتس يسرائيل إذ بدأت تتحول من مكان روحي يتطلع إليه المؤمن ليؤسس فيه مملكة الرب في آخر الأيام (ليخرج منها النور للعالمين) إلى بقعة ذات أهمية إستراتيجية يلقى فيها بالفائض اليهودي وتخرج منها الجيوش التي تؤدب الدول المجاورة.
٥ ـ يُلاحَظ أن هذه الأعمال شبه الأدبية تتسم بنهاياتها السعيدة ووصولها إلى نهاية التاريخ، وهي بهذا تنتمي إلى الكتابات الطوباوية المماثلة في القرن التاسع عشر والتي كانت لا تزال تدور في إطار الرؤية السطحية التفاؤلية التي طرحها فكر الاستنارة والتي تَصدُر عن إيمان تافه بحتمية التقدم (والحتميات المختلفة) وإمكان تغيير كل شيء، بما في ذلك الطبيعة البشرية نفسها، بما يتفق مع متطلبات العلم الحديث! فهي رؤية ترى إمكانية أن يتجسد المثل الأعلى على هيئة حقيقة اجتماعية في التاريخ. هذا على عكس الطوباويات الأوربية والغربية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين والتي تغلب عليها الروح التشاؤمية نظراً لتعمق الرؤية البشرية وإدراكها أن التحكم الكامل في الكون أمر مستحيل، وأنه لو تحقق بالفعل لكانت الكارثة.