وفي عام ١٨٨٩، تزوج هرتزل من جولي نتشاور وكانت من أسرة ثرية كان يأمل هرتزل أن يحل من خلالها بعض مشاكله المالية. ولكن الزواج لم يكن موفقاً بسبب ارتباط هرتزل الشديد بأمه التي غذت أحلامه، فقد قامت نشأته على تصوُّر من ينتدب نفسه لتحقيق عظائم الأمور ويحلم بأنه صاحب رسالة في الحياة. ويبدو أن مما عقَّد الأمور، عدم حماس الزوجة للتطلعات الصهيونية لدى زوجها. ولعل مشاكل هرتزل الجنسية لعبت دوراً في ذلك، إذ يبدو أنه أصيب بمرض سري (شأنه شأن نيتشه معاصره) وتنقَّل في عدة مصحات للاستشفاء من هذا المرض.
وفي عام ١٨٩١، التحق هرتزل بصحيفة نويا فرايا براسا أوسع الصحف النمساوية انتشاراً، وأُرسل إلى باريس للعمل مراسلاً للصحيفة هناك (حتى عام ١٨٩٥) حينما عُيِّن رئيساً لتحرير القسم الأدبي في الصحيفة وبقى في عمله حتى وفاته.
وهنا قد يكون من المفيد التوقف قليلاً للتحدث عن هوية هرتزل التي كانت تقف بين عدة انتماءات دينية إثنية متنوعة (ألمانية ـ مجرية ـ يهودية ـ بل مسيحية) دون أن ينتمي لأيٍّ منها أو يُستوعَب فيها. فإذا نظرنا لانتمائه اليهودي، فإننا نجد أنه يرفض الدين اليهودي والتقاليد الدينية اليهودية. والواقع أن زوجته كان مشكوكاً في يهوديتها، وقد رفض حاخام فيينا إتمام مراسم الزواج. كما أن هرتزل لم يختن أولاده ولم يكن الطعام الذي يُقدَّم في بيته «كوشير» ، أي مباحاً شرعاً. أما تَصوُّره للإله، فلم يكن يستند إلى العقيدة اليهودية بقدر استناده إلى فلسفة إسبينوزا بنزعته الحلولية التي توحِّد الإله والطبيعة، فهي حلولية وحدة الوجود أو حلولية بدون إله (وقد طُرد إسبينوزا نفسه من حظيرة اليهودية ولم يَتبنَّ ديناً آخر، ولهذا فإنه يُعَدُّ أول يهودي إثني في العصر الحديث) . وقد تأثر هرتزل بتعاليم شبتاي تسفي الماشيَّح الدجال وظل مشغولاً به وبأحداث حياته.