أما من الناحية الثقافية، فإن هرتزل كان ابن عصره، يجيد الألمانية والمجرية والإنجليزية والفرنسية. ويبين أحد مؤرخي الحركة الصهيونية أن اتخاذ هرتزل دور الداندي (أي الوجيه الذي يبالغ في الأناقة) وتَظاهُره بأنه من الأرستقراطيين هو القناع الذي كان يختبئ وراءه ليهرب من هويته اليهودية. وكان هرتزل لا يعرف العبرية، وقد تساءل علناً وبسخرية (في المؤتمر الصهيوني الثالث [١٨٩٩] ) عما يُسمَّى «الثقافة اليهودية» . وحينما قرَّر مجاملة حاخامات مدينة بازل، اضطر إلى تأدية الصلاة في كنيس المدينة قبيل افتتاح المؤتمر الصهيوني الأول (١٨٩٧) ، كما اضطر إلى تعلُّم بضع كلمات عبرية لتأدية الصلاة. وكان المجهود الذي بذله في تعلُّمها أكبر من المجهود الذي بذله في إدارة جلسات المؤتمر بأسرها (حسب قوله) . ومما له دلالة عميقة أن هرتزل كان يرى أنه دزرائيلي يهودي، ودزرائيلي هو اليهودي المُتنصِّر الذي دخل عالم الغرب من خلال باب غربي وبشروط غربية بعد أن تخلَّى عن يهوديته أو الجزء الأكبر منها. أما هرتزل فقد فعل مثله تماماً باستثناء التخلي عن القشرة اليهودية المتبقية.