ولعل هامشية الانتماء الحضاري هذا يفسر جانباً آخر من شخصية هرتزل وهو ذكاؤه الحاد وسطحيته الشديدة. وقد وَصَفه مؤرخ الصهيونية وولتر لاكير بأن تفكيره يتصف بالتبسيط الشديد. ووَصَفه مؤرخ آخر هو حاييم فيتال، في أكثر من مكان، بأنه ذكي دون أن يكون عميقاً، وأنه لم يكن يدرك كثيراً من الأبعاد السياسية لعصره. أما شلومو أفنيري، فيرى أن كتاباته قد تكون متألقة لامعة ولكنها ينقصها العمق الروحي، كما تحدَّث عن "الجانب الخفيف" في طبيعته، أي سطحيته.
ويطرح السؤال نفسه: كيف تتمكن شخصية هامشية سطحية (رغم كل ذكائها) ، شخصية لم يكن عندها مصادر مالية، تقف ضدها كل المؤسسات الدينية والمالية اليهودية ولم يكن لديها تنظيم، أن تفرض نفسها بهذا الشكل؟
يفسر أحد مؤرخي الحركة الصهيونية (شلومو أفنيري) هذه الأعجوبة بسببين أولهما: كفاح هرتزل البطولي الذي يكاد يكون جنونياً، وثانيهما: اكتشافه الرأي العام العالمي وألاعيب الإعلام. بل يضيف قائلاً:"إن المشروع الصهيوني قد نجح إلى حدٍّ كبير، حتى الوقت الحاضر، في الوقوف ضد قوة السياسة والتاريخ"، بسبب الرأي العام. ولعل هذا قد يفسر بعض أسرار نجاح هرتزل، ولكنه لا يصلح بأية حال لتفسير نجاحه في تَخطِّي الحاخامات والأثرياء وجمعيات أحباء صهيون وأن يفرض نفسه فرضاً على الجميع ويتحدث باسم يهود أوربا الذين لم يعطوه الصلاحية لأن يفعل ذلك.