ولكننا نعتقد أن نجاحه يكمن في نقط قصوره وهامشيته وذكائه السطحي، إذ تضافرت هذه العوامل وجعلته قادراً على أن يصل إلى الصيغة التي تفتح الطريق المسدود الذي كانت الصهيونية (بشقيها اليهودي وغير اليهودي) قد دخلته. فهامشيته جعلته قادراً على أن ينظر مثلاً لليهود من الخارج على طريقة العالم الغربي «كمادة بشرية»(المصطلح الذي استخدمه في دولة اليهود) يجب التخلص منها أو توظيفها. ولذا، فإن اهتمامه باليهود كان اهتماماً غربياً. ولعل هذا يفسر أن الحلول الأولى التي طرحها للمشكلة اليهودية تتسم بكثير من السوقية الفظة، كأن يقترح تعميد اليهود في كاتدرائية القديس بول في روما.
وكما بيَّنا من قبل، لم يكن هرتزل يعرف شيئاً عن عالم اليهود ولكنه كان يعرف بعض الشيء عن شخصيات الاستعمار الغربي مثل بنجامين دزرائيلي وسيسل روديس وهنري ستانلي، وعن موازين القوى وعن رجل أوربا المريض وعن التشكيل الاستعماري الغربي.
ورغم كل هذا ورغم إعجابه الشديد بمؤسسات الحضارة الغربية، ابتداءً من العقلية الألمانية وانتهاءً بالمشروع الاستعماري والتكنولوجيا الغربية، إلا أنه اكتشف أن هذه الحضارة قد أوصدت أبوابها دونه أو على الأقل دون الاندماج التام الذي كان يطمح إليه، فتعرَّض لتمييز عنصري ولسخرية لأنه يهودي، فتذكرة الدخول للحضارة الغربية والاندماج الكامل فيها كان لا يزال اعتناق المسيحية (كما اكتشف هايني) . ولعل انتماءه إلى جماعة شبابية للمبارزة، وهي جماعة ذات مُثُل قومية ألمانية عضوية، دليل على حرصه على الانتماء الألماني. ولكن الجمعية اتخذت قراراً عام ١٨٨١ بعدم ضم أعضاء يهود جدد فقرر الاستقالة احتجاجاً على القرار (ولكن مما له دلالته أن صاحب الاقتراح كان هو نفسه شخصية هامشية، فهو نمساوي من أصل يهودي) .