إن هرتزل بهذا المعنى مثال جيد على «اليهودي غير اليهودي» ، ولذا كان بإمكانه أن يلعب دور الجسر الموصل، فينظر إليه الغرب على أنه رسولهم إلى اليهود وينظر إليه اليهود على أنه رسولهم للغرب. وهو شخصية هامشية حدودية يستطيع الغرب أن يراه على أنه اليهودي الذي يحمل مُثلاً غربية لليهود فيُفهِّمهم ويساعدهم، وبإمكان اليهود أن يروه الغربي الذي يفهم المسألة اليهودية من الداخل ويعاني منها معهم ويمكن أن يشرح حالتهم للعالم الغربي.
ومما له دلالته أن هرتزل لم يكن يُفرِّق بين صهيونية غير اليهود وصهيونية اليهود، فهو في مذكراته يَقرن موسى هس بدزرائيلي بجورج إليوت كممثلين للفكرة الصهيونية. وإذا قرنَّا كل ذلك بجهله بفكر "رجل يُدعى بنسكر" كان يعيش في أوديسا بل بكل ما هو يهودي، لأصبح من الممكن أن نتحدث عنه باعتباره نتاج صهيونية غير اليهود وأن أصوله اليهودية مسألة عرضية.
وقد ظهر هرتزل في مرحلة كانت صهيونية غير اليهود وصهيونية شرق أوربا فيها قد دخلت طريقاً مسدوداً، فالفريق الأول كان ينظر لليهود من الخارج وكان الثاني لا ينظر إلى الخارج أبداً، أما هو فيهودي غربي، أو إن أردنا الدقة لا هو من شرقها ولا هو من غربها وإنما من وسطها، يقف بين شرقها المتعثر وغربها المندمج. ورغم أنه يهودي كُتب عليه المصير اليهودي، إلا أنه كان كصحفي نمساوي يتحرك بكفاءة في الأوساط الغربية كما كان يتحدث لغتها. وقد قال هو نفسه إنه "تعلَّم في باريس كيف يدار العالم". وكان قد ذهب إلى باريس وعمره ٣١ عاماً وتركها وعمره ٣٥ عاماً.