٣ ـ بهذه الطريقة سيصبح الشعب العضوي اليهودي جزءاً من الحضارة الغربية، أي أنه سيحقق من خلال التشكيل الإمبريالي الغربي ما فشل في تحقيقه من خلال التشكيل الحضاري الغربي.
وماذا عن العرب؟ هنا يتضح الجانب الإحلالي من فكرة جابوتنسكي عن الشعب العضوي اليهودي الغربي، فهذا الشعب جزء من عرْق سيِّد، فالتفاوت بين الأجناس الراقية والمتخلفة هو التبرير الأساسي للعملية الاستعمارية. واليهود سيصلون إلى فلسطين باعتبارهم هذا الجنس المتفوق. ومن ثم، فلا حقوق للعرب، فهم متخلفون ولن يفهموا طبيعة المسألة اليهودية، ولذا فلا مفر من العنف العسكري لفرض أغلبية يهودية على العرب وإقامة دولة صهيونية على ضفتي نهر الأردن بالقوة. وقد استخدم جابوتنسكي صورة مجازية «الجدار الحديدي» ليصف الطريق الوحيد للاتفاق مع العرب؛ جدار حديدي من الحراب اليهودية.
نادى جابوتنسكي، خلال الحرب العالمية الأولى، بتجنيد فرقة من الكتائب اليهودية العسكرية لكي تحارب على الجبهة الفلسطينية مع القوات الإنجليزية الغازية لفلسطين. ووصل جابوتنسكي إلى الإسكندرية في ديسمبر ١٩١٤، وأسَّس في العام التالي، مع جوزيف ترومبلدور، فرقة البغالة الصهيونية. وقد وافقت الحكومة الإنجليزية عام ١٩١٧ على إنشاء الفرقة ٣٨ من الكتائب حملة البنادق الملكية وتَطوَّع فيها جابوتنسكي وأصبح قائدها، وكان يظن أن هذه الوحدة العسكرية الصهيونية هي من الدوافع الأساسية وراء صدور وعد بلفور، وهو ما يبيِّن مدى ضيق أفقه وافتقاره إلى معرفة الدوافع المركبة في السياسة، فالمُخطَّط الإمبريالي البريطاني بشأن فلسطين وُضع قبل الحرب، وكان جزءاً لا يتجزأ من السياسة الإمبريالية البريطانية في المنطقة بعد تقسيم الدولة العثمانية. وقد أصبح جابوتنسكي عضواً في البعثة الصهيونية إلى فلسطين كما أصبح رئيس القسم السياسي فيها.