لعب جابوتنسكي دوراً أساسياً في تنظيم كتائب الهاجاناه لقمع المظاهرات العربية في القدس عام ١٩٢٠، وتبنَّى سياسة «الردع النشيط» ضد العرب لإرغامهم على الاعتراف بالوجود اليهودي. ولذا، فقد قامت منظمة الأرجون، بوحي من أفكاره، بإلقاء القنابل على المدنيين دون تمييز لخلق ما سماه «الوقائع الجديدة» التي جاء ديان فيما بعد ليجعل منها محوراً لسياسة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. والهدف من هذه التنظيمات مزدوج، فهي تهدف إلى الدفاع عن المستوطنين ضد السكان الأصليين، ولكنها على حد قول جابوتنسكي خير دفاع عن المصالح الإمبريالية كما أنها حماية لطرق إمدادات الإمبراطورية لحماية المصالح الغربية ضد القومية العربية.
وأطروحات جابوتنسكي لا تختلف كثيراً عن أطروحات الصهيونية. ومع هذا، كان جابوتنسكي يُعَدُّ متطرفاً بالمقاييس الصهيونية. فما مصدر هذا التطرف؟ يؤمن جابوتنسكي بما كان يسميه «الواحدية» وهي فكرة شمولية تعبر عن نفسها كما يلي:
١ ـ الإيمان بدور العقائد الصافية البسيطة الواضحة في دفع الجماهير. بل إنه كان يرى في خضوع الجماهير للقائد بعداً جمالياً (ففي روايته شمشون يعبِّر البطل عن إعجابه بنظام الفلستيين الوثني وخضوعهم الكامل للكهنة)
٢ ـ الإيمان بفكرة اليهودي الخالص الذي لا تشوبه أية شائبة، فاليهود الذين يحاولون الاستيطان في فلسطين ليسوا بورجوازيين أو بروليتاريا وإنما هم مجرد رواد ليس لهم انتماء طبقي.
وهذه الواحدية الصريحة هي ما يُميِّز جابوتنسكي عن كل المفكرين الصهاينة، فهو يرفض الديباجات، كل الديباجات، ليبرالية كانت أم عمالية، علمانية كانت أم دينية. فالصهيونية مكتفية بذاتها، ومن ثم فلا داعي للتاكتيكات والمناورات، ولا مبرر للمراوغة وعدم المجاهرة. وموقف جابوتنسكي هذا ينم عن السذاجة والجهل بطبيعة العمل السياسي، وخصوصاً إذا كان ثمة ساحات كثيرة (فلسطين ـ يهود العالم ـ الدولة الإمبريالية الزراعية)