للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان في وسع الحركة الصهيونية امتصاص التيار التصحيحي وتوظيفه في المجالات التي يريدها وبالطريقة التي تروق لقادته، فالمجال كان دائماً مفتوحاً أمام الجميع. ولكن جابوتنسكي وأعوانه تَحدّوا المؤسسة الصهيونية لا عن طريق طرح فكر يميني متطرف، فالفكر الصهيوني ابتدأ فكراً استعمارياً استيطانياً، وإنما برفض بعض القواعد الخاصة بطريقة تناول الأمور، وهو تحدٍّ يدل في نهاية الأمر على قصر نظر جابوتنسكي وهو ما جعله يبدو متطرفاً من منظور صهيوني.

وأول نقط الاختلاف رفضه الخطاب الصهيوني المراوغ، إذ كان يرفض الشعار الداعي إلى الصمت والعمل والابتعاد عن السياسة والتظاهر "بأننا نذهب إلى فلسطين لمجرد حرث الأرض". فقد كان يؤمن بضرورة الإيضاح والإعلان عن الأهداف دون مواربة، وهي مسألة غير عملية ولا واقعية ولا تعود على الصهاينة بأية فائدة. وحينما اكتفت سلطات الانتداب البريطاني مثلاً بنقش حرفي E.I. (وهما اختصار عبارة «إرتس يسرائيل Eretz Israel» ) على العملة في فلسطين بدلاً من نقش الكلمتين كاملتين (وهذا حل مراوغ) رفض جابوتنسكي الأمر وطالب بأن يُكتَب الاسم كاملاً أو أن لا يكتب على الإطلاق. كما طالب بأن تُعلن الحركة الصهيونية بكل وضوح أن هدفها هو إنشاء دولة يهودية، وهو هدف كان الجميع متفقين عليه منذ أيام بنسكر، وهم يتحدثون عنه ولكنهم يؤثرون عدم إعلانه، لأن الصياح والإفصاح لا يفيدان في رأيهم. أما العرب، فكان جابوتنسكي يطالب بأن تُوضَّح لهم الأمور (أي أنهم سيتم طردهم) ، إذ أن المشروع الصهيوني، سيتم بكل بساطة كما يتم أي مشروع استعماري كبير. وهو أمر كان مُتفَّقاً عليه تماماً، ولا ينصرف الاختلاف بين الصهاينة إلا إلى جدوى الإعلان عن الأهداف النهائية.

<<  <  ج: ص:  >  >>