وثاني أوجه الاختلاف بين جابوتنسكي والمنظمة هو إصراره على حل الحد الأقصى الذي يتسم بالشمول والفورية. ومرة أخرى، لم يكن ثمة اختلاف على الهدف، فالاختلاف كان على طبيعة المرحلة. وعلى سبيل المثال، كان جابوتنسكي يرى أن الدولة المزمع إنشاؤها يجب أن تتم دفعة واحدة عن طريق رفع قيود الهجرة إلى فلسطين ونقل اليهود وطرد العرب، ومن هنا كان لجوؤه إلى عقد اتفاق مع حكومة بولندا في نهاية الثلاثينيات (١٩٣٨) يقضي بتهجير مليون ونصف مليون يهودي إلى فلسطين خلال عشر سنوات، وذلك بهدف خلق أغلبية يهودية فورية في فلسطين. وكان جابوتنسكي يتصوَّر أن هذا ممكن مع تفاقم ظاهرة العداء لليهود في بولندا التي كانت تضم آنذاك أكبر جماعة يهودية في العالم. والرؤية الطفولية الساذجة نفسها تكمن وراء أوهامه المتعددة في أن يصل الدعم الإمبريالي دفعة واحدة وأن تُقام الدولة على ضفتي نهر الأردن وأن تُصادَر جميع الأراضي العامة المنزرعة في فلسطين وأن تُوضَع تحت تَصرُّف الحركة الصهيونية. وكلها أهداف صهيونية كامنة. كما كان جابوتنسكي ينادي بضرورة تصفية الجماعات اليهودية في الخارج وعبرنة التعليم، أي جَعْله تعليماً قومياً عضوياً يعبِّر عن الذات القومية ويؤدي إلى تطبيع اليهود تطبيعاً كاملاً. وهذه موضوعات قديمة ومطروحة في أدبيات الصهاينة من كل الاتجاهات، ولكن الإصرار عليها في تلك المرحلة كان من الممكن أن يَنتُج عنه صدع في القيادة الصهيونية وانشقاقات في المنظمة. والواقع أن التحالف مع الاستعمار الغربي كان قائماً بالفعل، ولكن هناك صعوبات خاصة بسبب طبيعة المادة البشرية المُستهدَفة وطبيعة ساحة القتال في فلسطين. فالدولة الراعية التي يعتمدون عليها لها مصالح عالمية ليست بالضرورة متفقة تمام الاتفاق مع مصالح المستوطنين، من ذلك رغبة الإمبراطورية في عدم الدخول في صراع مع القومية العربية أثناء الحرب. ولذا، كان ضرورياً أن تُظهر القيادة الصهيونية