أما الشق الإحلالي من الاستعمار الصهيوني، فقد تكفلت به المفاهيم الاشتراكية الخاصة بنُبل العمل اليدوي. وقد نادت الصهيونية العمالية بأن يذهب يهودي المنفى إلى فلسطين ليعمل بنفسه ويزرع أرضها بيديه، فيزيل ما علق بذاته في الشتات، ويكون آخر اليهود وأول العبرانيين (كما قال جوردون) . وهكذا، فإن اليهودي إذا استأجر عاملاً عربياً فقد هدم الفكرة الصهيونية من أساسها. ومن هنا طرح جوردون فكرة اقتحام العمل، أي أن يعمل اليهودي بنفسه، ثم اقتحام الأرض، أي أن يزرعها بنفسه، وأخيراً اقتحام الحراسة، أي أن يحرسها بنفسه (وهذا ما نسميه «الزراعة المسلحة» ) . ورغم أن الديباجات المُستخدَمة ديباجات ثورية شعبوية تتسم بشيء من الجمال والجاذبية، فإنها في واقع الأمر تترجم نفسها إلى إحلالية. فهذه المفاهيم تعني في واقع الأمر تغييب العربي، والاستيلاء على الأرض بعد إخلائها من سكانها العرب مصدر العمالة الرخيصة التي كانت تتهدد المشروع الصهيوني من أساسه، وإحلال المستوطن الصهيوني محله. وبذلك تكون الصهيونية العمالية قد نجحت في التوصل إلى الصيغة التي تسمح بترجمة أهم عناصر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (أي توطين الفائض اليهودي في فلسطين بعد التخلص من العرب) إلى برنامج عملي وممارسة فعلية.