للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل زيادة علمنة المجتمع الغربي وانتشار العلم والتكنولوجيا قد جعلا استمرار اليهودية صعباً، وخصوصاً أن اليهودية الحاخامية كانت قد تجمدت وأصبحت مثل القشرة اليابسة. وقد تهاوت مع اليهودية المؤسسات التقليدية التي ساعدت الحاخامات وأثرياء اليهود على إحكام قبضتهم على جماهير اليهود، مثل القهال. وقد ساهمت حركة التنوير في خلق جيل جديد من شباب اليهود الذي كان يتحرك بيُسر بين عالم اليهود وعالم الأغيار ويجيد علوم الغرب، وأصبحت القيادة الحاخامية معزولة عن هذا الوضع الجديد. ومما زاد الأمور سوءاً أن اليهودية نفسها كانت منقسمة بحدة إلى المؤسسة الحاخامية التقليدية والحركة الحسيدية التي اكتسحت شرق أوربا، وهي حركة حلولية متصوفة تمثل احتجاجاً على وضع اليهود، وعلى جفاف العقيدة التلمودية. وقد أحست المؤسسة الدينية بأن الوضع آخذ في الانهيار. وربما كان أكبر دليل على ذلك انتشار اليهودية الإصلاحية وما تبع ذلك من زيجات مُختلَطة، حتى أن الحديث عن اختفاء اليهود كان مطروحاً بين علماء الاجتماع في الغرب.

في هذا السياق، كان للعقيدة الصهيونية في صياغتها المراوغة (المتمثلة في برنامج بازل) بريقها. فهي، رغم هجومها على اليهود واليهودية، قد استخدمت كل الرموز التقليدية من عودة إلى صهيون والأرض المقدَّسة والشعب المقدَّس. ودولة اليهود التي تحدَّث عنها هرتزل تُشبه في نهاية الأمر الجيتو والقهال من بعض الوجوه، فهي دولة بدون أغيار. وكان أعضاء المؤسسة الدينية يدركون مدى حدة معاداة اليهود في أوربا عامة، وأكثر من هذا مدى خطورة الاندماج والعلمانية. ولذا، فلم يكن من العسير عليهم أن يأخذوا بالصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المُهوَّدة (بعد صهينة اليهودية (

<<  <  ج: ص:  >  >>