وعلى كلٍّ، فإن هرتزل نفسه لم يمانع في إنشاء حزب ديني بل رحب به قبل فاته، وقام بتمويل حزب مزراحي، حيث أدرك أنه لا تعارض حقيقياً بين صهيونيته الدبلوماسية التي تهدف إلى إخلاء أوربا من يهودها وبين الخطاب الإثني الديني. كما أن دعاة الصهيونية الدبلوماسية وجدوا أنه قد يكون من المفيد استخدام الدين لتجنيد اليهود، بل إزالة الفوارق بين الصهيونية واليهودية في نهاية الأمر بحيث يتم تهويد الصهيونية وصهينة اليهودية. وقد اتخذ المؤتمر الصهيوني الخامس (١٩٠١) قراراً بتأسيس حركة دينية تُسهم في تثقيف اليهود بروح القومية اليهودية، أي تُظهر التلاحم الكامل بين القومية والدين.
وقد طوَّر الصهاينة الدينيون هذا البرنامج، فطرحوا الأفكار الدينية التقليدية كافة بعد تفريغها من بُعدها الأخلاقي وتأكيد بُعدها الإثني، فأعادوا صياغة فكرة العودة بطريقة تتفق مع متطلبات الاستيطان الصهيوني، فتم تفسير الاستيطان (أو العودة الجسدية الفعلية إلى فلسطين) الذي كان يُعَدُّ هرطقة من المنظور الديني التقليدي باعتباره مجرد إعداد لعودة الماشيَّح. بل إن فكرة القومية العضوية نفسها تم التعبير عنها من خلال الصيغة الحلولية، فالصهاينة الدينيون يرون أن اليهود أمة ولكنهم أمة تختلف عن بقية الأمم لأن الإله هو الذي أسسها بنفسه، فهم يدورون في إطار المفهوم الحلولي الخاص بوحدة التوراة والأمة وأن اليهود كشعب لا يمكنه الاستمرار بدون التوراة. وأن هذه الوحدة، مع هذا، لا يمكن أن تأخذ شكلها الكامل خارج فلسطين، أي أن عناصر الثالوث الحلولي: الأمة والكتاب والأرض لابد أن تلتحم، وبالتحامها تنبجس عبقرية الأمة كالينبوع الذي تعود له الحياة فجأة، والذي لا تملك البشرية الخلاص دون فيضه السخي. وهذه الفكرة هي فكرة القومية العضوية نفسها بعد أن اكتسبت ديباجة دينية حلولية.