كما خرجت اليهودية، علاوة على ذلك، إلى عالم مُشبَّع بالروح القومية العضوية حيث يتعيَّن على الغريب الذي يريد أن يندمج في مثل هذه الحضارة أن يطمس شخصيته وينغمس في التيار الغالب. ولذا، فإن الاندماج حل أتى من الخارج يهدف إلى خَلْق حياة جديدة تماماً لا علاقة لها بالهوية اليهودية، وبالتالي فإن الوحدة اليهودية ستتفتت وتنقسم اليهودية إلى أكثر من نوع واحد، يختلف كل نوع منها باختلاف البلد الذي ينتمي إليه اليهودي. وفي الواقع، فإن القومية العضوية ترفض الآخر حتى لو أراد الاندماج والذوبان فيها، ولذا فإن حل الذوبان لم يكن مطروحاً أصلاً في الوسط السلافي أو الجرماني الذي كان يتحرك فيه اليهود (أي أن فكرة الشعب العضوي تُصنِّف الآخر على أنه عضو في الشعب العضوي المنبوذ، والآخر هنا هو اليهود في المحيط الجرماني والسلافي أي في كل أوربا (
وقد خرج اليهود واليهودية من الجيتو في لحظة كان الدين اليهودي فيها قد تحوَّل إلى عبء حقيقي، فأهل الكتاب قد أصبحوا عبيداً للكتاب حتى أصبح عمل هذا الكتاب هو أن يُضعف كل قوى الإبداع الذاتي والعاطفي لدى اليهود ويحطمها. وتحوَّل القانون إلى قانون مكتوب جامد، وتَوقَّف تَطوُّر اليهود، واختفى العالم الداخلي تماماً، وأصيب اليهود بالشلل الحضاري. ولذا، كان السؤال هو: هل يمكن تطبيع اليهود وتحرير الروح اليهودية من أغلالها لتعود إلى الاندماج في مجرى الحياة الإنسانية دون أن تضحي بالهوية اليهودية وبالطابع الخاص لها؟