حسب تصوُّر آحاد هعام، تأخذ المسألة اليهودية شكلين: أحدهما في الشرق، وثانيهما في الغرب. وقد نجحت المسألة اليهودية في الغرب في إعتاق اليهود ثم في إفقادهم هويتهم اليهودية، كما نجحت في تعريضهم لمسألة معاداة اليهود الأمر الذي أعاد اليهودي لعالمه اليهودي لا حباً فيه وإنما هرباً من معاداة اليهود. ولكنه عند عودته وجد العالم اليهودي ضيقاً لا يُشبع حاجاته الثقافية، بل إن العالم اليهودي لم يَعُد جزءاً من ثقافته (فهو يهودي غير يهودي) . ولذا، فهو يصبو إلى إنشاء دولة يهودية يستطيع أن يعيش فيها حياة تشبه حياة الأغيار التي يحبها ويحقق فيها لنفسه كل ما يريد من أشياء يراها الآن أمامه ولا يستطيع الوصول إليها. وهو إن لم يستوطنها بنفسه وبقى حيثما يكون، فإن مجرد وجودها على الأقل سوف يرفع مكانته أينما كان، فلن يُنظَر إليه نظرة احتقار باعتباره عبداً يعتمد على استضافة أهل البلاد له. إن الدولة اليهودية، بل مجرد التفكير فيها، هو شيء يشفيه من مرض نفسي هو الشعور بالضعة، فمحور المشكلة في الغرب هو الفرد اليهودي المندمج الذي تُسبِّب له معاداة اليهود شيئاً من الإحباط والإحساس بالضعة. أما يهود الشرق فهم على عكس ذلك، فالمشكلة بالنسبة إليهم ذات شقين: شق مادي وشق ثقافي. لكن دولة هرتزل لن تَحُل أياً من المشكلتين، فهي لا تكترث أصلاً بالجانب الثقافي. أما فيما يتعلق بالجانب المادي، فإن آحاد هعام كان يرى استحالة إخلاء أوربا من اليهود الفائضين، فالدولة اليهودية لن تُوطِّن سوى قسم من اليهود في فلسطين، وبالتالي فإن حل المشكلة حلاًّ كلياً أمر غير ممكن. وسيظل الاعتماد على الحلول الأخرى المطروحة ضرورياً (مثلاً: زيادة عدد المزارعين والعاملين بالمهن اليدوية من اليهود) . وفي نهاية الأمر، فإن حل الشق المادي سيعتمد في الأساس على الحالة الاقتصادية وعلى المستوى الثقافي للأمم المختلفة التي تُوجَد فيها أقليات يهودية.