لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال العودة إلى الدين، فآحاد هعام كان ملحداً، وقد سماه آرثر هرتزبرج «الحاخام اللا أدري»(وهذه مفارقة لا يمكن أن يُوجَد لها مثيل في المسيحية أو في الإسلام، ولكن التركيب الجيولوجي لليهودية يسمح بها) . وحينما ذهب آحاد هعام إلى فلسطين ورأى أحجار حائط المبكى، لم تتحرك أية مشاعر دينية داخله، بل وجدها رمزاً للخراب الذي حاق بالشعب اليهودي. ولم يكن الدين بالنسبة إليه سوى شكل من أشكال التعبير عن الروح القومية اليهودية الأزلية المتجسدة في التاريخ، وهو وعاء كامن في الذات وليس مقياساً مطلقاً خارجاً عنها، فالدين اليهودي مجموعة من الأفكار اليهودية تضرب بجذورها في الطبيعة (اليهودية) أو التاريخ (اليهودي) . ولذا، فإن العودة تكون لهذا المطلق ولهذا المطلق وحده، أي للذات الإثنية اليهودية مصدر الدين اليهودي والتي ستحل محله، والتي سيخلع القداسة عليها تماماً كما فعل مفكرو ودعاة القومية العضوية في ألمانيا وشرق أوربا. وهو، في هذا، كان متأثراً بهيجل وهردر والمفكرين السلاف والألمان الذين كانوا يرون الإثنية مطلقاً، وقيمة في حد ذاتها. وكما هو واضح، فإن آحاد هعام يقف في هذا على الطرف النقيض من التراث الديني اليهودي. وعلى سبيل المثال، فإن سعيد بن يوسف الفيومي ذكر أن اليهود شعب من أجل التوراة أو بسببها، وبذلك جعل الشعب أداة، أما آحاد هعام فيرى أن كل شيء أداة لتأكيد هوية الشعب حتى الدين نفسه.
ويذهب آحاد هعام إلى أن ثمة اتجاهاً عاماً نحو القومية العضوية بدأ يسود بين اليهود في شرق أوربا. فاللغة العبرية لم تَعُد اللسان المقدَّس لليهود وإنما أصبحت لغة الأدب العبري العلماني وبدأت تحل محل الدين كإطار للوحدة. وقد ساهم هو نفسه في هذا التيار وأضفى صبغة علمانية على مفاهيم دينية، مثل الشعب المختار، لتصبح مصطلحاً نيتشوياً يُسمَّى «السوبر أمة» أو «الأمة المتفوقة» ، التي تُعلي شأن القوة والإرادة.