للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانطلاقاً من هذه المفاهيم العضوية، طرح آحاد هعام نظريته الخاصة بما يُسمَّى «الصهيونية الثقافية» التي تهدف إلى بَعْث أو تحديث الثقافة اليهودية التقليدية حتى يمكنها التعايش مع العصر الحديث. ويمكن إنجاز ذلك من خلال إطار القومية العضوية. ولذلك، اقترح آحاد هعام إنشاء مركز ثقافي في فلسطين يسبق تأسيس الدولة اليهودية يكون بمنزلة مركز عضوي للفولك (أو الشعب العضوي) اليهودي يمكن أن تؤكد الهوية اليهودية نفسها من خلاله على أسس عصرية. ففي فلسطين يستطيع اليهود أن يستوطنوا وأن يعملوا في شتى فروع الحياة من زراعة وأعمال يدوية إلى علوم طبيعية. ومثل هذا المركز العضوي سيصبح مع مرور الزمن مركزاً للأمة تستطيع روحها أن تظهر وتتطور من خلاله إلى أعلى درجات الكمال التي بوسعها الوصول إليها بشكل مستقل. ومن هذا المركز ستُشع الروح القومية اليهودية العضوية إلى سائر الجماعات اليهودية في العالم فتبعث فيهم حياة جديدة تُقوِّي وعيهم القومي وتُوطِّد أواصر الوحدة بينهم. ومن خلال هذا المركز ستنمو الشخصية اليهودية وستُزال منها الشوائب التي عَلقت بها نتيجة سنوات طويلة من الشتات وستُولِّد شخصية جديدة فخورة بهويتها اليهودية. لكن عملية البعث العضوي هذه لا يمكن أن تتم دفعة واحدة، وبعملية سياسية بسيطة، فهي عملية حضارية طويلة بطيئة بطء النمو العضوي. ولا يعترض آحاد هعام على تأسيس دولة يهودية في فلسطين تضم أغلبية يهودية، ولكنه يرى أن الدولة ستكون تتويجاً لعملية النمو العضوية البطيئة والثمرة النهائية وليس بذرة البدء. بل إن المركز الثقافي سيؤدي إلى قيام رجال في أرض إسرائيل نفسها يستطيعون، متى حان الوقت، أن يؤسسوا دولة هناك، لا تكون دولة يهود وإنما دولة يهودية بالمعنى الحلولي للكلمة؛ دولة عبرية علمانية. والدولة في هذا الإطار ليست نهاية في ذاتها، وإنما وسيلة للتعبير عن الذات القومية، وهي نتاج فعل حضاري بطيء وليس انقلاباً

<<  <  ج: ص:  >  >>