وفي عام ١٩٠٨، أوفدت المنظمة بعثة من الخبراء الصهاينة إلى طرابلس الغرب حيث التقى أعضاؤها بالوالي العثماني الذي رحب بهم وكلف أحد معاونيه بمصاحبتهم إلى برقة لتذليل أية صعوبات قد تواجههم. وأمضت البعثة ثلاثة أسابيع في برقة أجرت خلالها أبحاثاً مكثفة تركزت على أوضاع المنطقة ومواردها المائية وفرص إقامة مشاريع زراعية بها. وأدرجت البعثة خلاصة بحوثها تلك في تقرير صدر في مطلع عام ١٩٠٩ وأُطلق عليه اسم الكتاب الأزرق تضمن عدداً من المقترحات العملية التي تهدف إلى توفير احتياجات المنطقة من المياه، وإنشاء شبكة مواصلات حديثة تربط برقة بغيرها من مدن ليبيا، وتنظيم الاستيطان اليهودي هناك. وشدد التقرير على ضرورة تحاشي كل ما من شأنه إحراج السلطات العثمانية الراعية للمشروع أو تعكير صفو العلاقات معها، فاقترح أن يتم جلب اليهود على مراحل وبأعداد صغيرة في أول الأمر، وعدم المطالبة بالحكم الذاتي منذ البداية. بيد أن الأوضاع العالمية آنذاك سارت على غير ما كان يشتهي واضعو المشروع. فقد شهد عام ١٩٠٩ وقوع انقلاب في الدولة العثمانية أطاح بالسلطان عبد الحميد الثاني ودفع الدولة إلى دوامة من الصراعات والمشاكل الداخلية الحادة التي شغلتها عن الاهتمام بمشروع الاستيطان اليهودي، فضلاً عن وفاة والي ليبيا العثماني الذي كان من مؤيدي المشروع. وزاد الموقف تعقيداً إقدام إيطاليا عام ١٩١١ على غزو ليبيا واحتلالها، ولم يلبث العالم بأسره أن اندفع في غمار الحرب العالمية الأولى، وكان من شأن هذا كله أن يؤدي إلى القضاء على المشروع في مهده.