ومع هذا، يمكن القول بأن الصهاينة، بجميع اتجاهاتهم، قد أساءوا تقدير مقدار قوة معاداة اليهود ومدى استمرارها. إذ تصوُّروا أن عداء اليهود سيستمر في التفاقم حتى يضطر كل يهود العالم أو معظمهم للهجرة إلى فلسطين. وغني عن القول أن هذه النبوءة لم تتحقق، ولا يوجد احتمال لتحقُّقها في المستقبل القريب. فالأغلبية العظمى من يهود العالم هاجرت إلى الولايات المتحدة ولا تزال متجهة إلى هناك. ولم يتجه اليهود إلى فلسطين إلا في الفترة بين عامي ١٩٣٠ و١٩٤٠ حينما كانت كل الأبواب الأخرى موصدة دونهم. أما في الفترة من عام ١٩٥٠ إلى عام ١٩٦٠، فقد هاجر يهود البلاد العربية في ظل ظروف خاصة لا علاقة لها بعداء اليهود ولكنها ناجمة بالدرجة الأولى عن التوتر مع الدولة الصهيونية. كما أن هجرتهم إلى الدولة الصهيونية لم تكن بالضرورة نتيجة حركة طرد من المجتمعات العربية بقدر ما كانت حركة جذب من مجتمع آخر يتاح لهم فيه تحقيق قدر أكبر من الحراك الاجتماعي. والواقع أن عداء اليهود ظاهرة آخذة في الاختفاء برغم ادعاءات الصهاينة، وبرغم أوهام بعض أعضاء الجماعات اليهودية. وقد لاحظ أحد المراقبين أنه على الرغم من أن المناصب المهمة كافة متاحة أمام يهود الولايات المتحدة، فإن ما يُقدَّر بنحو ثلث عددهم يجهل هذه الحقيقة وينكرها. وقد علق برنارد أفيشاي على هذا الوضع فذكر أن سارتر قال إنه حينما لا يكون هناك يهود فإن أعداء اليهود يخترعونهم كضرورة ملحة. أما بالنسبة ليهود أمريكا، فقد انقلبت الآية، فحينما لا يوجد أعداء لليهود، فإن اليهود يخترعونهم كضرورة ملحة أيضاً. ولعل أكبر دليل على ضمور ظاهرة معاداة اليهود، ارتفاع معدلات الزواج المُختلَط والاندماج بين أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة وروسيا السوفيتية وأمريكا اللاتينية وكندا وجنوب أفريقيا وإنجلترا وفرنسا، أي في أية بقعة من العالم يوجد فيها يهود.