ولكن، رغم ذلك، ليست العلاقة بين الجماعات اليهودية والحركة الصهيونية علاقة طيبة دائماً. والمعروف أن الحركة الصهيونية لاقت مقاومة شديدة عند ظهورها من أغلبية أعضاء الجماعات اليهودية في العالم واضطرت إلي «غزو الدياسبورا» ، أي لجأت إلي أنواع من العنف لقهرها والسيطرة عليها، وهذا ما تم بالفعل مع منتصف الخمسينيات. ولكن حتي بعد أن حققت الحركة الصهيونية ذلك، رفض أعضاء الجماعات اليهودية ـ في الممارسة العملية ـ الخضوع للأوامر والنواهي الصهيونية. فهم، علي سبيل المثال، يرفضون الهجرة إلي إسرائيل «وطنهم القومي» الوهمي، وهم قد يقبلون الصهيونية اسماً وشكلاً لكنهم يرفضونها فعلاً وعملاً. وهذا ما نسميه «التملص اليهودي من الصهيونية» . كما أن اهتمام أعضاء الجماعات اليهودية في العالم ينصب علي موروثهم الثقافي من المجتمع الذي يعيشون في كنفه، فيهود الولايات المتحدة علي سبيل المثال يهتمون بموروثهم الأمريكي اليهودي ويتعلمون اللغة الإنجليزية ويضعون مؤلفاتهم الدينية والدنيوية بها، كما أنهم لا يدرسون العبرية إلا في مراكز خاصة لدراسة اليهودية يعاني خريجوها من البطالة لعدم وجود اهتمام كاف بهذه الدرسات. وهذا الوضع هو تعبير عن رفض ضمني كامن للمفاهيم الصهيونية الخاصة بنفي الدياسبورا وبمركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، وهي مفاهيم تؤكد أن يهود العالم مجرد أداة لتحقيق الهدف الصهيوني، وأنهم يمثلون هامشاً يدور حول المركز «القومي» الصهيوني أي الدولة الصهيونية.