وحتي في إطار الخضوع الظاهري الكامل لإسرائيل، تنشأ مشاكل عدة بين يهود العالم من الصهاينة واليهود غير الصهاينة من جهة وإسرائيل من جهة أخري. ولعل أهم هذه القضايا هي تلك التي أُثيرت منذ عام ١٩٤٨ عن مدي حق أعضاء الجماعات، علي مستوي العالم، في توجيه النقد إلي إسرائيل. فالدولة الصهيونية تحاول أن تكون علاقتها بيهود العالم علاقة هيمنة، فتتلقي منهم العون والمساعدات والتأييد دون أن يكون لهم حق التدخل في شئونها. ولكنهم، في نهاية الأمر، رفضوا الهجرة إليها وآثروا البقاء في «المنفي» ، وما يقدمونه هو تكفير عن عدم مساهمتهم في تحقيق رؤية الخلاص والمثل الأعلي الصهيوني. أما يهود العالم، فيرون المسألة بشكل مختلف، إذ كيف يُطلَب منهم قبول قرارات سياسية إسرائيلية لم يشتركوا في صياغتها، أو تأييد هذه القرارات دون اعتراض؟ وإذا كان لدي الدولة الصهيونية استعداد لأن تتلقي نقودهم بصدر رحب وحماس زائد، فيجب أيضاً أن يتسع صدرها لانتقاداتهم التي تَنصبُّ في الغالب علي مسائل محدَّدة.
وأولي المسائل المهمة التي يثيرها يهود العالم أن الصهيونية وعدتهم بأن تؤسِّس دولة يهودية تسمح لليهود بالتحكم في مصائرهم مستقلين عن مجتمع الأغيار. ولكن هؤلاء، حين ينظرون، يرون دولة مصابة بأزمة اقتصادية مزمنة وصل فيها التضخم في وقت من الأوقات إلي معدلات قياسية. ورغم أن التضخم تمت السيطرة عليه، فإن حجم مديونية هذه الدولة يجعل المواطن فيها من أكثر المواطنين مديونية في العالم، حيث تصل إلي ٦.٢٠٠ دولار بالنسبة إلي الشخص الواحد. ويُلاحَظ كذلك تَناقُص معدل النمو الاقتصادي. وقد أدَّي كل ذلك إلي الاعتماد المتزايد والمذلّ علي الولايات المتحدة.