ينطلق دبنوف، علي عادة كثير من مفكري أوربا في القرن التاسع عشر، من طرح رؤية للتاريخ الإنساني تُقسِّمه إلي مراحل، فتَطوُّر الإنسانية هو أساساً تَطوُّر من المادية إلي الروحية ومن البساطة الخارجية إلي التعقيد الداخلي. وهو يُقسِّم النماذج القومية إلي ثلاثة نماذج: النموذج القَبَلي، والنموذج السياسي الإقليمي أو النموذج المستقل، والنموذج الحضاري التاريخي أو النموذج الروحي. وهذه النماذج مترابطة بشكل عضوي، بمعني أن كل أمة لابد أن تمر من خلال المراحل أو النماذج الثلاثة. والنموذج القَبَلي، حسب تصوُّر دبنوف، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة، في حين أن النموذج السياسي أقل ارتباطاً بها. أما النموذج الروحي فهو مستقل عنها إلي حدٍّ بعيد. وهذا الابتعاد التدريجي عن الطبيعية يتضح أكثر ما يتضح في علاقة كل نموذج قومي بالأرض. فالأرض، بالنسبة إلي النموذج الأول، تمثل جزءاً جوهرياً من كيانه وبيئته، أما بالنسبة إلي النموذج الثالث فهي لا تعني شيئاً علي الإطلاق، لأن كيانه ووجوده يستندان أساساً إلي الوعي بالذات التاريخية. ويؤمن دبنوف بأن الشعب اليهودي «شعب روحي» ينتمي إلي النموذج الثالث من القوميات، ولذا فهو في غني عن الأرض والدولة (علي عكس الصهاينة الذين يصرون علي عودة اليهود إلي الطبيعة وإلي الأرض، كما يصرون علي تأسيس الدولة اليهودية (