وقد نجحت جماعة نواطير المدينة في الإفلات من براثن الصهيونية لأنها غلَّبت الطبقة التوحيدية داخل العقيدة اليهودية على الطبقة الحلولية التخصيصية الوثنية التي تجعل اليهود وحدهم مركز اهتمام الإله، وتمسكت بالحل الحاخامي لمشكلة الحلول.
١ ـ فعلى سبيل المثال، فصلت اليهودية الحاخامية العقيدة اليهودية عن الأرض المقدَّسة، وهو ما يعني عدم حلول الإله في أرض بعينها، فهو مفارق للعالم.
٢ ـ تمسكت اليهودية الحاخامية بمسألة أن اختيار اليهود أمر منوط بتنفيذهم الشريعة، وهو ما يعني أن الذات اليهودية لم تَعُد مقدَّسة من خلال الوراثة (وهو أمر مألوف في الأنساق الحلولية) . وإنما تُكتَسب القداسة من خلال ما يقوم به اليهودي من أفعال أخلاقية.
٣ ـ جعلت اليهودية الحاخامية العودة (وتأسيس الدولة) مسألة منوطة بالأمر الإلهي ولا دخل للبشر فيها.
وقد أصر نواطير المدينة على هذه العناصر كلها، وهو ما يعني أنهم يؤمنون بفصل الخالق عن المخلوق، كما أكدوا عنصر الإنسانية المشتركة بين اليهود والأغيار، وهو عنصر موجود في التلمود وإن كانت بعض التفسيرات تتعمد إغفاله. وتمسُّك نواطير المدينة بالطبقة التوحيدية هو الذي عصمهم من السقوط في الوثنية الصهيونية العلمانية، أي الترجمة الحديثة للطبقة الحلولية التقليدية.