ويمكننا أن نقول إن المرجعية النهائية للعقل الصهيوني هي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (دولة وظيفية يقيمها الغرب ويدعمها ويضمن لها البقاء وتقوم هي على خدمة مصالحه وتجنيد يهود العالم وراءها) . وهي صيغة استعمارية استيطانية تنفي العرب وتُسقط فكرة العدل تماماً وتستند إلى القوة الذاتية للصهاينة وإلى الدعم الإمبريالي الغربي. هذا هو الأساس وما عدا ذلك تفاصيل وآليات وديباجات. فحدود الدولة وحجم الاستيطان وكثافته كلها آليات وتفاصيل خاضعة للاعتبارات الإستراتيجية الغربية وللملابسات الخاصة المحيطة بالدولة الاستيطانية والعملية الاستيطانية.
ولكن، ورغم وجود هذه المرجعية الثابتة للعقل الصهيوني، فإن موقف الصهاينة على مستوى الممارسة اليومية يتباين بين «الاعتدال» و «التطرف» فهو ليس موقفاً واحداً ثابتاً لا يتغيَّر. ولتفسير هذه الظاهرة، وحتى يمكننا أن نتوصل إلى نموذج تفسيري معقول. فلابد أن نشير ابتداءً إلى أن ثمة انفصالاً بين إدراك الإنسان لواقعه وبين استجابته لهذا الواقع وسلوكه فيه. فاستجابة الفرد لواقعه لا تحددها فقط مكوِّنات هذا الواقع المادية (مثل موازين القوى على سبيل المثال) وإنما يحددها أيضاً مركب هائل من العوامل النفسية والعصبية والتاريخية والثقافية وإدراك الآخر. ولهذا السبب، قد يكون من المفيد أن نرسم مخططاً متكاملاً لطيف الإدراك الصهيوني (الذاتي) في علاقته بموازين القوى (الموضوعية) . وقد بيَّنا في مدخل آخر (انظر: «الإدراك الصهيوني للعرب» ) أن الصهاينة يدركون العرب من خلال أربعة أنماط أساسية: العربي الحقيقي ـ العربي ممثلاً للأغيار ـ العربي الهامشي ـ العربي الغائب. ويمكن أن نرى كيف تساهم القوة في تقويض نمط إدراكي ما أو تدعيمه.