يمكن القول بأن النموذج الكامن وراء معظم الأيديولوجيات العلمانية الشاملة (النازية ـ الماركسية ـ الليبرالية ـ الصهيونية) هو ما يُسمَّى «التطوُّر أحادي الخط» (بالإنجليزية: يوني لينيار unilinear) ، أي الإيمان بأن ثمة قانوناً علمياً وطبيعياً واحداً للتطور تخضع له المجتمعات والظواهر والبشرية كافةً، وأن التقدم هو في الواقع عملية متصاعدة من الترشيد المادي، أي إعادة صياغة الواقع الإنساني في إطار الطبيعة/المادة فتُستبعد كل العناصر الكيفية والمركبة والغامضة والمحفوفة بالأسرار، بحيث يتحول الواقع إلى مادة استعمالية بسيطة ويتحول الإنسان إلى كائن وظيفي أحادي البعد. ومن ثم يمكن توظيف كل من الواقع المادي والإنساني بكفاءة عالية. ثم تتصاعد عمليات الترشيد (والتنميط والتسوية) إلى أن يتحقق حلم اليوتوبيا التكنولوجية، حين تتم برمجة كل شيء، والتحكم في كل شيء، وضمن ذلك الإنسان، ظاهره وباطنه (ومن ثم يمكن استنساخه ببساطة) . وعمليات الترشيد تأخذ شكل مراحل تمر بها كل المجتمعات البشرية (ومن هنا ولع الفكر الغربي بتقسيم التاريخ إلى مراحل محددة) .