ترجع المسألة اليهودية في أوربا إلى عدة أسباب من أهمها ـ في تصوُّرنا ـ وضع الجماعات اليهودية في الحضارة الغربية باعتبارها جماعات وظيفية لم يَعُد لها دور تلعبه، وهو الأمر الذي يُفسِّر ظهور كل من المسألة اليهودية والصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي طُرحت باعتبارها حلاًّ لها. وهو حل يفترض أن الجماعات اليهودية عنصر حركي عضوي مستقل بذاته غير متجذر في الحضارة الغربية، يستحق البقاء داخلها إن كان نافعاً يلعب الوظيفة الموكلة إليه، فإن انتهى هذا النفع وجب التخلص منه (عن طريق نقله خارجها) . والواقع أن عملية النقل تحل المشكلة لأنها تتضمن خلق وظيفة جديدة له. وهذا هو الإطار الذي يدور في نطاقه وعد (أو عقد أو ميثاق) بلفور، أهم حدث في تاريخ الصهيونية، فهو يطرح حلاًّ لمسألة الجماعة الوظيفية اليهودية التي لم يَعُد لها نفع داخل الحضارة الغربية وأصبح أعضاؤها فائضاً بشرياً يهودياً لا وظيفة له.