وقد أدرك الفكر الصهيوني بين اليهود (بشكل جنيني) وضع الجماعات اليهودية كجماعة وظيفية، فأشار هرتزل وبنسكر إلى اليهود كأشباح وطفيليين، ووصفهم نوردو (وهتلر من بعده) بأنهم مثل البكتريا. وكل هذه الصور المجازية هي محاولة لوصف هذا الكيان الذي يوجد في المجتمع دون أن يكون منه، يتحرك فيه دون أن يضرب فيه جذوراً، وهو كيان أساسي لإتمام كثير من العمليات دون أن يكون جزءاً من الجسم الاجتماعي نفسه. وحديث هرتزل عن اليهود باعتبارهم "أقلية أزلية"، وكذلك حديث بوروخوف عن "الهرم الإنتاجي المقلوب"، هو في صميمه حديث عن الجماعات الوظيفية دون استخدام المصطلح بطبيعة الحال. وقد قام الصهاينة من اليهود (وخصوصاً الصهاينة العماليون) بتهويد الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وتقديم قراءة "يهودية" للحقيقة التاريخية التي تستند إليها (أي اضطلاع أعضاء الجماعات اليهودية بدور الجماعات الوظيفية) . فوصفوا وضع اليهود الوظيفي بأنه مرض لابد من علاجه، فاليهود حسب هذا التصور شعب عضوي متكامل (شعب مثل كل الشعوب في الصيغة العلمانية، وشعب مقدَّس في الصيغة الدينية) وقد تَبعثَّر هذا الشعب فيما بعد وتَشتَّت وتَحوَّل إلى شعب في المنفى: جماعات متناثرة ذات وظيفة محدَّدة. هذه الوظيفة هي الاقتراض والربا في المنظومة الصهيونية العمالية، وهي وظيفة الشعب الشاهد في المنظومة الصهيونية الدينية (المسيحية أو اليهودية) . وقد نجم عن ذلك تَشوُّه هذا الشعب. ويأخذ هذا التشوه شكل الهرم الإنتاجي اليهودي المُشوَّه أو المقلوب في المنظومة العمالية حيث يُفترَض أن اليهود، حينما كانوا شعباً، كان لهم هرمهم الإنتاجي السوي، بحيث يشغلون كل درجات الهرم الإنتاجي. ولكنهم، بتشتُّتهم، أصبحوا يتركزون في قمة الهرم وحسب (أما الإثنيون فيرون أن مصدر التشوه فشل الشعب في الحفاظ على هويته الإثنية الدينية أو الإثنية العلمانية) . وانطلاقاً من هذا الافتراض، يطرح الصهاينة أمنية