ومفهوم الدولة الصهيونية الوظيفية له قيمة تفسيرية عالية، ونحن نرى أن كثيراً من الدارسين قد أخفقوا نسبياً في فهم آليات الدولة الصهيونية وحركياتها لأنهم تصوَّروا أنها دولة مثل كل الدول الأخرى خاضعة للقوانين نفسها، بينما هي في واقع الأمر خاضعة لقوانين الجماعات الوظيفية. ويظهر هذا الخلل في حديث الماركسيين مثلاً عن تصعيد التناقض الطبقي داخل إسرائيل لتصبح أكثر ثورية، وفي حديث الليبراليين عن الضغط على إسرائيل (من خلال المساعدات وغيرها) لتصبح أكثر ديموقراطية، وذلك بهدف إرغامها على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم. وهذا أمر يتنافى مع بنية الدولة الصهيونية نفسها ومع قانون وجودها، فسياسات إسرائيل الأمنية، ونمط إنفاقها، وطريقة تمويلها، وبنيتها الطبقية، وأساليبها الإدارية، لا يمكن فهمها إلا في إطار الدعم الأمريكي الذي يُقدَّم لإسرائيل بمقدار اضطلاعها بوظيفتها القتالية التي أُسِّست الدولة من أجلها في بادئ الأمر، وقد نُقل اليهود من الغرب واقتلع العرب من بلادهم للسبب نفسه. والواقع أن أية اتجاهات نحو الديموقراطية والإخاء الثوري قد تؤدي إلى الاعتراف بالفلسطينيين وبحقوقهم، لابد أن تُهدِّد الدولة الوظيفية الصهيونية من جذورها إذ أنها ستفقدها وظيفتها القتالية، أي ما يُسمَّى بقيمتها الإستراتيجية، وهي السلعة الأساسية التي تنتجها وتبيعها للغرب، وهي مصدر نَفْعها الذي يبرر وجودها واستمرار دعمها. ومن هنا، فإن فكرة السلام مع العرب تَصدُر عن المقدمات نفسها التي أدَّت إلى الصراع والقتال والعزلة مثل الزعم بأن هناك شعباً يهودياً له تراث يهودي وهوية يهودية وحقوق يهودية، وأن الدولة اليهودية ليست ثمرة التشكيل الاستعماري الغربي وإنما هي تعبير عن ذلك التراث وتلك الهوية، وأن استيطان الصهاينة في فلسطين ليس استعماراً استيطانياً إحلالياً وإنما عودة لاستعادة الحقوق اليهودية. فالسلام المقترح لا يخل بالبنية الصراعية الأساسية