للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تم إنجاز ذلك أساساً من خلال الفكرة المحورية في الحضارة الغربية (وفي التراث الحلولي اليهودي) ، فكرة اليهود كشعب عضوي منبوذ، فهو شعب عضوي يرتبط عضوياً بأرض فلسطين، ولذا فهو يخرج من أوربا. ولكن، كيف يمكن توظيف هذا الشعب في خدمة الحضارة الغربية؟ سنجد أن هذا الشعب الذي طردته أوربا سيتحول بعد وصوله إلى فلسطين إلى شعب غربي يدور في إطار الحضارة الغربية ويرفع لواءها ويدافع عن مصالحها. ولا يجد الصهاينة والمستعمرون أية غضاضة في استخدام كل من الديباجة اليهودية (الحلولية العضوية) الخالصة والديباجة الغربية. فالأولى مناسبة للصهاينة الإثنيين (العلمانيين والدينيين) والثانية مناسبة للعواصم الغربية والصهاينة التوطينيين والعلمانيين الذين لا تهمهم الإثنية. فالمستوطنون الصهاينة هم يهود خُلَّص، يُوطَّنون في فلسطين حيث سيؤسسون دولة هي حصن للهوية اليهودية ضد الاندماج في الأغيار. ولكنهم هم أيضاً، في الوقت نفسه، حصن للحضارة الغربية ضد الهمجية الشرقية. ويحّل المؤرخ الإسرائيلي تالمون المشكلة بأن يقرِّر أن ما يُسمَّى «الحضارة اليهودية» جزء من التشكيل الحضاري الغربي. وهذا الإحساس بالانتماء للغرب أو للحضارة اليهودية أو للحضارة اليهودية الغربية، يجعل وجود إسرائيل في الشرق الأوسط مسألة عرضية غير مرتبطة بجذورها الحضارية وإنما بوظيفتها القتالية. فجذور المستوطنين الصهاينة تضرب في الغرب (وطنهم الأصلي) وفي الحضارة اليهودية، أما وظيفتهم فهي الدفاع عن الغرب في الشرق. فالمُستوطَن الصهيوني يوجد في الشرق العربي ولكنه ليس منه، شأنه في هذا شأن أية جماعة قتالية استيطانية. وهذا الإحساس يُذكِّر اليهودي بأنه منقول من مكان لآخر، وأنه ينتمي إلى حضارة أخرى، وأن دولته هي دولة الشتتل المشتولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>