وقد تحوَّلت الدولة الصهيونية بالفعل إلى دولة جيتو أو شتتل تحاول الحفاظ على هويتها اليهودية أي عزلتها الكاملة؛ سكانها من اليهود الملحدين ذوي الديباجات الليبرالية أو الإثنية العلمانية أو من اليهود الملتحين المؤمنين ذوي الديباجات الإثنية الدينية. ويتحدث الجميع العبرية ويصرون على انتمائهم الغربي أو اليهودي في الصحراء العربية، فهم حصن (جيتو) للحضارة الغربية ضد الهمجية الشرقية (أي الجماهير المستغَلة) . ولا يهم في هذا المضمار إن كانت الدولة الوظيفية دولة تحافظ على قداسة حائط المبكى أم أنها هي نفسها تقف حائطاً منيعاً أمام زحف الهمجية الشرقية، فما يهم أن تظل هذه الدولة معزولة منبوذة.
ومن هذا المنظور، يمكننا أن نرى العلاقة العضوية بين إحلالية الاستعمار الصهيوني وعزلته السكانية من جهة، ووظيفته القتالية الإستراتيجية من جهة أخرى. فالدولة الوظيفية الصهيونية لم يكن أمامها مفر من أن تطرد العنصر العربي وتُحلّ محله العنصر اليهودي، ذلك أن وجود العنصر العربي (المحلى) داخل القاعدة الغربية كان من الممكن أن يُولِّد حركيات وتناقضات اجتماعية تُضعف مقدرته القتالية وقد تعدِّل مساره، بل قد تحوِّله إلى مجرد دولة أخرى قد تدخل التحالف الغربي وقد تخرج منه. أما الدولة اليهودية (الغربية) الخالصة، فهي بمعزل عن مثل هذه التوترات والديناميات، الأمر الذي يضمن استمرارها في أداء وظيفتها.
وقبل أن ننتقل إلى النقطة التالية قد يكون من المفيد ذكر العناصر التالية المرتبطة تماماً بالعزلة الوظيفية: