ولكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن الصهيونية كانت وما زالت حركة مبنية أيضاً على تهجير اليهود، فهي حركة توطينية استيطانية، كما أن تدفُّق المادة البشرية القتالية على المُستوطَن الصهيوني مسألة أساسية وحيوية بالنسبة له حتى يستمر في الاضطلاع بوظيفته القتالية. ولذا، نجد أن الحركة الصهيونية كثيراً ما تلجأ إلى عملية تهجير قسرية لبعض يهود العالم.
وتبدأ عملية التهجير القسري بمحاولة خَلْق ما يمكن تسميته «الصهيونية البنيوية» أي الصهيونية التي تتجاوز المشروع المعلن والشعارات المطروحة لتخلق وضعاً (بنيوياً) يجعل استمرار أعضاء الجماعات اليهودية في الحياة في أوطانهم صعباً ويجعل رفضهم الصهيونية شبه مستحيل. وأولى هذه المحاولات كانت وعد بلفور حيث سعى الصهاينة إلى استخدام عبارة «العرْق اليهودي» بدلاً من «الشعب اليهودي» حتى يجعلوا كل يهودي، شاء أم أبى، عضواً في هذا الشعب، إذ أن الانتماء العرْقي لا يترك مجالاً لاختيار، ومن ثم تسقُط صفة المواطنة عن يهود العالم فيضطرون إلى الهجرة.
وقد أخذ التهجير شكل التعاون مع القوى المعادية لليهود (فون بليفيه، وزير داخلية روسيا القيصرية، وبتليورا، الزعيم الأوكراني، وأخيراً النظام النازي نفسه) وتوقيع معاهدة الهعفراه (أي التهجير أو الترانسفير) . وتأخذ محاولة التهجير أيضاً شكل إغلاق باب الهجرة في العالم أمام أعضاء الجماعات اليهودية بحيث يتجهون، شاءوا أم أبوا، إلى أرض الميعاد. وينطبق هذا على يهود روسيا السوفيتية حيث تحاول المنظمة الصهيونية تحويل الهجرة التلقائية إلى الولايات المتحدة إلى تهجير قسري إلى إسرائيل عن طريق إغلاق باب الولايات المتحدة أمامهم وفتح أبواب إسرائيل، ومنع المنظمات اليهودية من مساعدة اليهود السوفييت المهاجرين إلى الولايات المتحدة.